أمّا بعد يا صديقي ... فها هو المركب ما زال يسير بتؤدة وسط الموج مخافة أنْ ينزلق في قعر الظلام ... ما أصعب الموت غرقا وأنتَ وحيدًا إلا من إرادتك وبقايا أمل ما زال يرقب بقعة ضوء أبت إلا أن تحجب نفسها وسط الضباب البعيد ..

يختفي النجم في ليالي الصبر ، ويبتعد المكان عن الزمان ، وثمّة لحظات أجدني فيها لا أعرف الشرق من الغرب ولا الشمال من الجنوب ...أوكل هذا الفضاء لي وحدي .. والدنيا من حولي كثقب الإبرة ؟ وهذا الظلام يداعبني ويتكئ على خاصرة الوجع في قلب القلب .. ولم يبق في القلب مكان إلا لذكريات تحمل في جعبتها كل ما كان لي ولك ولزمن جميل مضى وآمل أنْ يعود ، وعليها نعيش ونقتات من الذكريات ما يعين الأمنيات على الصمود .

قال لي ذات نصّ أحد العابرين من فوق حروفي : أهي الهزيمة يا بن الضميري ؟ فقلت له : لم أعرف الهزيمة في حياتي .. لكنّني الآن أؤكد لذاتي أنّي لم أعرفها ولن أعرفها يومًا .. لكن القلم لم يعد يطاوعني على نثر حروف الجرح الكبير فيّ .

سأتعلم أنْ أعبر عن الجرح بلغة أخرى ، فرغم قلّة حيلتي لا أجدني قادر على الإمساك بحروف أبجديتي المتعبة بعد الآن .. لا نثر بعد اليوم .

وأمّا الآن يا صديقي المتعب من صديق أتعبك .. لا بأس عليك وعلينا جميعًا ، فنحن سنكتب وبأي لغة كانت ، صوتي وصوتك وصوت الجميع معنا سيرتفع عاليًا ، لا للظلم ولا للقتل ولا للحكام المتآمرين على أمّتنا ، لا لسلب حريتنا التي وهبنا إياها الخالق عز وجل ، وسنقولها وسنستمر معًا ومع الجميع في واحة الخير وفي كل مكان ، فغدًا يوم آخر ، وفي كل غدٍ نرفع أكفّ الدعاء للرحمن الرحيم أن ألطف بنا وارحمنا واعفو عنا ، فما نحن إلا من عبيدك ، ظلمنا أنفسنا بأنفسنا ، ولم يكن للشيطان من سلطان علينا .

هي الدنيا أتعبتنا يا هشام وبعض أهلها ، وكما تفضلت و قلت لي سابقًا " رضا الناس غاية لا تدرك ولن تدرك " ولا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه ، ونسأل الله تعالى أن نكون جميعًا مّمن يعفو و يرضي عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، فما هو قادم لا يقارن أبدًا بما فات وانقضى ، وتحت الأرض لو تدري يا هشام كم أخشى ما تحتها .. غير أنّنا ننسى أحيانًا .. وكثيرًا ما ننسى ..

نسأل الله تعالى فرجًا قريبا وأن يجمعنا في الدنيا والآخرة وهو راضٍ عنّا .

شكرًا لكل الأحبّة الذين مروا من هنا .

شكرًا لك وكن بخير أيّها الصديق العزيز .