9- هَمْسةٌ أُولى للصبّان



يقول الشيخ محمد بن علي الصَّبّان في حاشيته على شرح الأشموني للألفية ، عند قول ابن مالك في باب «الكلام وما يتألّف منه» :


بالجَرِّ والتَّنوينِ والنِّدا و«أَلْ» *** ومُسْنَدٍ : لِلاِسْمِ تمييزٌ حَصَلْ


( قَوْلُه (و«أَلْ») : المُرادُ لَفْظُ «أَلْ» . فهو حينئذٍ اسْمٌ همزَتُه همزةُ قطع ، كهمَزات الأسماء غيْرِ المُستَثْناة ، كما في شرح الجامع ) .

تعقيب :

همسة الصبّان هذه شبيهةٌ بهمسة ابن هشام ، المُعلَّق عليها آنفا . فالعِبْرةُ بالاِنتقال إلى الاِسميّة ، لا بالاِنتقال إلى العلميّة .


10- هَمْسةٌ أُخرى للصبّان


يقول الشيخ الصَّبّان في حاشيته ، عند قول ابن مالك في فصل «زيادة همزة الوصل» :

وَهْوَ لِفِعْلٍ ماضٍ احْتَوَى على *** أكْثَرَ مِنْ أربعةٍ ، نَحْوُ «انْجَلَى»


( ثُمّ المُرادُ ، كما هو ظاهرٌ : الفعلُ الماضي وفِعلُ الأمر الباقيان على فِعْلِيَّتِهما ، و«أل» الباقيةُ على حرفيّتها . فلو سمَّيْتَ شخصا بشيء من ذلك ، أو قصدْتَ به لَفْظَهُ ، وجب قطْعُ الهمزة ، على قياس همزاتِ الأسماء الصِّرْفةِ غيْرِ العَشَرة ِالمُستثناة الآتية . وبقولنا : «الصِّرْفة» ، أي : التي ليست جاريةً مجرى الفِعْلِ لا يرد نحوُ «الاِنطلاق» و«الاِقتدار» و«الاِستخراج» .

وإنما أبقيْتَ همزةَ الوصلِ على حالها ، فيما إذا سمَّيَْتَ أو قصدْتَ اللفظَ بنحو «الاِنطلاق» أوِ اسمٍ من العشَرة ، مع تغيُّر المعنى ؛ لأن الكلمة لم تُنقَل من قبيل إلى قبيل ، فاستُصحِب ما كان ؛ بخلاف مِثلِ «إنجلى» و«إستمع» و«إضرب» و«أل» ، فإن فيه نَقْلَ الكلمة من الفعلية أو الحرفية إلى الاِسمية . قاله الدّماميني ) .

تعقيب :

هذه موافقةٌ صريحةٌ للرأيِ الوارد في الهمسات السابقة .

وأما قولُ الصبّان : ( قاله الدّماميني ) ، فإنما يدلّ على أمانته العلمية في الإحالة على المصدر المباشر الذي نقل عنه ، لا أقلّ ولا أكثر . فلا ينبغي أن يُفهَمَ منه عدمُ اقتناعِه بما نقَله ؛ إذ لو كان له رأيٌ مخالف ، لَسارَع إلى الإدلاء به هنا . ولا ينبغي أن يُفهَمَ منه أن الرأيَ المنقولَ مِنِ ابتكارِ الدّماميني ؛ فلقد سبقه إليه سيبويه وغيرُه .


11- هَمْسةٌ أُولى للخضري


يقول الشيخ محمد بن مصطفى الخضري في حاشيته على شرح ابن عَقيل للألفية ، عند قول ابن مالك في باب «الكلام وما يتألّف منه» :

بالجَرِّ والتَّنوينِ والنِّدا و«أَلْ» *** ومُسْنَدٍ : لِلاِسْمِ تمييزٌ حَصَلْ


( و«أَلْ» في كلامه بقَطْعِ الهمزة ؛لأنها اسمٌ ، لِقَصْدِ لَفْظِها . وحَقُّ الاِسمِ قطعُ همزتِه ، إلا ما استُثْنِيَ ) .

تعقيب :

همسةُ الخضري هذه شبيهةٌ بهمسة ابن هشام ، المُعلّق عليها آنفا . فالعِبْرةُ بالاِنتقال إلى الاِسميّة ، لا بالاِنتقال إلى العلميّة .


12- هَمْسةٌ ثانيةٌ للخضري


يقول الشيخ الخضري في حاشيته ، عند قول ابن مالك في باب «العَلَم» :

وجُمْلةٌ وما بِمَزْجٍ رُكِّّبا *** ذا إنْ بِغَيْرِ «وَيْهِ» ثَمَّ أُعْرِبا


( أما المنقولُ من الفعل وحده ، فيُعْرَبُ كـ «ما لا يَنْصَرِفُ» ، للعلميّةِ ووَزْنِ الفعل ؛ ماضياً كان كـ «شَمَّرَ» بِشَدِّ الميم : لِفَرَسٍ ، و«بَذَّرَ» بِشّدِّ المُعْجَمة : لِماءٍ بقُرب مكة ، أو مضارعاً كـ «يَشْكُرَ» : لسيدنا نوح صلوات الله عليه ، أو أمْراً كـ «إِصْمِتَ» بكسْر الهمزةِ والميمِ : لِمَفازةٍ ، لأن سالِكَها يقول لصاحبه : «اصْمُتْ» ، من الفزع . قال الرَّضِيّ : وإنما كُسِرت الميمُ ، وإنْ كان الفعلُ مِن بابِ «نَصَرَ» ، لأن الأعلامَ كثيراً ما تُغيَّرُ عند النقل .وإنما قُطِعت الهمزةُ لِصَيْرُورتِه اسْماً ، فعُومِلَ مُعاملةَ الأسماء ) .

تعقيب :

هنا أيضا : العِبْرةُ بالانتقال إلى الاِسميّة ، لا بالانتقال إلى العلميّة .


13- هَمْسةٌ ثالثةٌ للخضري


يقول الشيخ الخضري في حاشيته ، عند قول ابن مالك في باب «ما لا يَنْصَرِفُ » :

كذاك ذُو وَزْنٍ يَخُصُّ الفِعْلا *** أو غالِبٍ كـ «أحْمَدٍ» و«يَعْلَى»


( قولُه [يقصد : ابن عقيل] : (كـ «فُعِّلَ») أي الماضي المجهول ، و«فَعَّلَ» أي الماضي المعلوم ، المُضعَّف العين ، كـ «كلّم» بِشَدِّ اللام ؛ وكذا المُفْتَتَح بتاءِ مُطاوَعةٍ كـ «تَعلّم» ، أو بهمزة وصْلٍ كـ «انطلق» ، وتُقْطَعُ همزتُه عند التسمية به لِبُعْدِه عن أصْلِه ) .

تعقيب :

هنا أيضا : العِبْرةُ بابتعاد الفعل عن أصله ، لا بصَيْرُورتِه عَلَمًا .


14- هَمْسة الغلاييني


يقول الشيخ مصطفى الغلاييني في «جامع الدروس العربية» [1/303] :

( ما كان مبدوءًا بهمزة وصلٍ من الأفعال التي سمَّيْتَ بها ، فإنك تقطَعُ همزتَهُ بعد نقْلِه إلى العَلَميّة ؛ لأنه يلتحق بنظائره من الأسماء بعد التسمية به . فإنْ سمَّيْتَ بـ «إِنصرف» و«إِستخرج» ونحوهما ، قلت : «جاء إِنطلقُ وإِستخرجُ» ، بقطع الهمزة .

أما الأسماءُ المُسمَّى بها ، كـ «انطلاق» و«استخراج» ، فلا تُقْطَعُ همزتُها بعد التسمية بها ، بل تبقى على حالها ؛ لان نظيرها من الأسماء همزتُه موصولة ) .


15- هَمْسة فجال


يقول الدكتور محمود فجال في «القلائد الذهبية ، في شرح قواعد الألفية» [4/721] :

( قال كثيرٌ من علماء الرسم الإملائي المُحْدَثين : (إذا كان العَلَمُ منقولاً من لفظ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همزته بعد النقل تصير همزةَ قطْعٍ) . وذكروا مثالاً على ذلك : «يوم الاثنين» ، بأن همزَتَه قَطْعٌ ؛ لأنه صار علماً على يوم .

أقول : همزة «يوم الاثنين» وصلٌ ؛ لأنها من الأسماء العشرة التي نصَّ العلماءُ على وَصْلِ همزتِها . وكونُها صارت علَماً على اليوم لا يُخرِجها عن الوصل إلى القطع ؛ لأنها كانت في عائلة الاِسميّة ، ولم تخرُجْ من عائلتها حتى نقولَ بقَطْعِها .

وها أنا ذا أضع بين يديك نصَّ إمام النحاة سيبويه ، فاستمع إليه وهو يقول في كتابه (198:3) : (إذا سميت رجلاً بـ «اِضْرِبْ» أو «اُقْتُل» أو «اِذهَبْ» لمْ تَصْرِفْهُ ، وقطعتَ الألفاتِ حتى يَصير بمنزلة الأسماء ؛ لأنك قد غيّرتها عن تلك الحال) . ثم يتابع قوله في (199:3) : (لأنك نقلْتَ فِعلاً إلى اسمٍ . ولو سميتَ رجلاً «انطلاقاً» ، لمْ تَقْطَع الألف ؛ لأنك نقلْتَ اسماً إلى اسْم ) .


قرّر سيبويه أنك إذا سمَّيْتَ شخصاً بفعل مبدوء بهمزة وصل ، فإن همْزَتََه تصير بعْدَ العلميّة همزةَ قطْع ؛ لأنك نقلْتَ فعلاً إلى اسم . ولو سمَّيْتَ باسمٍ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همْزَتَه تبقى بعد العلميّة همزةَ وصْلٍ كما كانت .

وإليك كلام ابن مالك في «شرح الكافية الشافية» (1466) : (وإذا سُمِّيَ بما أَوَّلُهُ همزةُ وَصْلٍ ، قُطِعَتِ الهمزةُ إنْ كانَتْ في منقولٍ من فِعْلٍ ، وإلاَّ استُصْحِبَ وَصْلُها . فيقال في «إعْلم» إذا سُمِّيَ به : «هذا إعْلمُ» ، و«رأيتُ إعلمَ» . ويقال في «أُخرُج» إذا سُمِّي به : «هذا أُخْرُجُ» . ويُقال في المسمَّى بـ «اقْتِراب» و«اعتِلاء» : «هذا اقترابٌ» و«رأيتُ اقتراباً» ، و«هذا اعتلاءٌ» و«رأيت اعْتِلاءً» ؛ لأنه منقولٌ من اسميَّة إلى اسميَّة ، فلم يَتَطَرَّقْ إليه تَغَيُّرٌ أكثرُ من التعيين بعدَ الشِّياعِ ؛ بخلافِ المنقولِ منَ الفعلية إلى الاِِسمية ، فإنَّ التسمية أحْدَثَتْ فيه - مع التَّعْيين – ما لم يكن فيه ، من إعراب وغيره من أحوالِ الأسماء . فَرُجِعَ به إلى قِياسِ الهمزِ في الأسماء وهو القَطْعُ) .

ومثله في «التبصرة والتذكرة» (542:2) و«حاشية الدسوقي على المُغْني» (490:3) و«حاشية الصبان على الأشموني» (208:3) .

وهذه النصوص واضحة في أن همزةَ «يوم الاِثنين» وما سُمِّي به من المصادر ، مثل : «كليّة العلوم الاِجتماعية» و«ابتسام» و«ابتهال» همزةُ وصلٍ ، أُبقِيَت فيها همزةُ الوصل على حالها لعدم نقل الكلمة من قبيلٍ إلى قبيلٍ ، فاستُصْحِب ما كان ثابتاً لها قبْلَ العمليّة ) .


16- هَمْسة المعشي


يسرني أن أختم بقول الأستاذ عليّ المعشي ، جوابا عن سؤالي المُشار إليه في مستهلّ هذا الموضوع :

(يُفهَم من كلام سيبويه قاعدةٌ عامّة ، خُلاصتُها : أن المبدوء بهمزة الوصل إن لم يكن اسْما في الأصل ، وأُرِيدَ نقْلُه إلى الاِسم ليصير عَلَما ، قُطِعتْ همزَتُه ، سواء كان في السابق فعلا كما مثّل ، أم كان حرفا ؛ وأما الاِسمُ إذا سُمِّيَ به فإنه يبقى على حاله .

وإنما اقتصر تمثيلُه على الفعل ، لكثرة همزة الوصل في الأفعال . وإنما ترك التمثيل للحرف ، لأنه لا يوجد إلا حرفٌ واحد مبدوءٌ بهمزة وصل ، هو حرفُ التعريف ؛ لذلك لمْ يُمثِّلْ له ، مُكتفيا بعموم قوله : (وقطعْت الألفاتِ حتَّى يصير بمنزلة الأسماء ؛ لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال . ألا ترى أنك ترفعُها وتنصبها ؟ وتَقْطَعُ الألف ؛ لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل) .

وأما قولُ بعض المُحْدَثين بقطع همزة الوصل عند النقل إلى العلمية ، بغَضِّ النظر عن أصل الكلمة ، فهو مخالف لكلام سيبويه ، إذ يقول : (ولو سمَّيته «انطلاقًا» ، لمْ تَقْطَعِ الألف ؛ لأنَّك نقلْتَ اسمًا إلى اسم) . فـ «ابتسام» كـ «انطلاق» التي نصّ سيبويه على عدم قطْعِ همزَتِها .

والصوابُ قول سيبويه ، لا قولُهم . ولو صحّ قولُهم ، لوجب قطْعُ همزةِ «امرؤ» في العلم «امرؤ القيس» . وإنما بَقِيَتْ همزةَ وصلٍ ، لأنها مأخوذةٌ مِنِ اسم ، وليست من فعل أو حرف . ومِثلُها «انطلاق» في مثال سيبويه . وعليه يكون حُكْمُ «اثنين» و«ابتسام» إبقاء الهمزة للوصل إذا صارا علمين ؛ لأننا نقلناهما مِنِ اسم إلى اسم ، كما بقيت همزتا «امرئ» و«انطلاق» عند جعلهما علَمَيْن ) .