"
فى ذروة التوتر والقلق يصطبغ الكون بألوان نسيتها الذاكرة. روائح عديدة تعاود الأنف. وأصوات متناثرة ترقص على باب الأذن. لحظات التوهج صارت قليلة. وصارت الحروف عصية على القلم.



يرسم الألق تهويمته الأخيرة. ويضطرم الكون بمرارة الذكرى. رغم الحر الشديد إلا أن البرد يأبى إلا أن يكون حاضرا. جاء فى عباءته السوداء. وزع أبنائه على أبواب الشرايين كلها. ولم يزل القلب فى انتفاضته الأخيرة.

الصمت جاء محملا بالخصب والدموع. تباعدت الأصوات كلها إلا من أزيز بعيد لكائن ما. ربما جاء ليحضر الجنازة، وربما خبأ فى جعبته الخلاص.

المدينة البعيدة ذات المآذن العالية لم تعد حاضرة كما كانت. والقرية الصغيرة صارت حلما ضبابيا بعيدا. لم يعد الكون شاسعا كما كان. طيور خرافية تتصارع فى سمائه. ربما جاءت من أسطورة قديمة لتنتزع كبده وتلقيه فى جوف طائر الرخ.

غرفة ذات أربعة جدران. كتب ، سجائر ، أوراق تحمل خربشات ومحاولات مبعثرة فى كل مكان. فى فوضى يحبها كثيرا. ويرفض النظام البارد.

كلما عاوده الحنين ، غاب فى أحلام يقظته المستحيلة. تتجسد أمامه حبيبة خرافية، تحمل بين ضلوعها قلبه الجريح وتضمد كبده المقتول. توقف نزف السموم التى راكمتها السنون.

ومدينة ضبابية السماء تتساقط أمطارها دائما. بردها محبب، وهوائها لحن كتبه موتسارت.



فى ذروة الحلم يوقظه زملائه. قد حان ميعاد العمل. يحمل بطاقة عبوديته وينصرف تاركا هشيم حلمه ليذوب بين جدران غرفته الضيقة."



أسامة البيلى