ليل طويل صامت يسلمنى إلى فجر جديد. شاشة التليفزيون لم تعد تحمل إلا كل ما هو ممل ومستفز.
تحدثنى الكتب التى أدمنتها أن الصبح قادم ، وأن الشتاء سيأتى قريباً بشمسه الحانية وبرده المحبب.
عند الفجر - وقبل موعد عملى بعدة ساعات - أضع علىّ حلتى الكاملة. أدارى بها شقوقاً وجروحاً حفرها الزمن على جسدى المتعب. تشرق الشمس علىّ وأنا فى الشارع. تداعبنى بحنان كنت قد نسيته. أشعر أنى رجل قادر على أى شىء. سيجارة الصباح تؤنسنى وتمنحنى حباً زائفاً.
اتقمص دورى كاملاً: معلم جاء من بلاد بعيدة ليزرع النور فى صحراء قاحلة. أرقب الموجودات ، وأستوعب التفاصيل كلها.
لدقائق قليلة تختفى الصورة من أمامى. ارى نفسى سائراً على تربة من طمى جسدى. يمرق امامى الأطفال مسرعين إلى مدارسهم. أرى بينهم طفلاً حزيناً يحمل ملامحى.
- أسامة ؟؟
- ................
ينظر لى بعتاب شديد ويتركنى مسرعاً . أراه يسير على أطراف أصابعه ناظراً إلى السماء البعيدة. يركل حجراً صغيراً ويختفى عند أول منعطف. أدرك أنى قد خنته ، وأن الخيانة تؤلمه.

تذوب الصورة من أمامى. تشقنى الصورة الجديدة إلى نصفين. يهرب منى دمى. أراه على الإسفلت الأسود ، الذى لونته الرمال بصفرة خفيفة، وهو يرسم صورة طفل يبكى. أذكر هذه الصورة جيداً. وأذكر امى وهى تضعها فى بيتنا الصغير.
تلهبنى الشمس وقد خلعت عنها حنانها الزائف. تركض الوحدة بين نصفى جسدى المقسوم. تُبعد النصفين عن بعضهما. أسرع إلى مقهى الانترنت القريب. أفتح منتداى المفضل. أريد أن أتذوق خمر كتابات "أصحابى" المتفرقين. أريد أن تحتضنهم عيناى بقوة. لكن تمد الشاشة القديمة يداً زجاجية. تزرعنى على الكرسى الأسود لكبير. أقرئهم السلام جميعاً وأمضى.

عند أول منعطف أرى نصفى الأيسر بجوار طفل صغير يحمل ملامحى. تتعانق أصابعهما. يسيران على أطراف أصابعهما ناظرين إلى السماء البعيدة. بينما نصفى الأيمن يذوى ويموت رويداً رويداَ.

أسامة البيلى
الرياض
الإثنين 26-6-2006
الثانية فجراً