كانتا كقضبان قطار.. لا يلتقيان.. وإن حدث .. فلقاؤهما كارثة
تمردت على أوانها.. عاشت كتمثال من الرخام البارد.. وعكفت على نفسها تلمّعها كل حين ببراعم حلم صامت.. ولم تؤرقها استكانة جلدها لبرودة الأحاسيس المتناهية.. فـ" هو" ضمير غائب دوماً عن حياتها.. ولم تتحامل يوماً على ذاتها الباردة لتعرف أن هناك على الضفة الأخرى من النهر.. حياة
جذبتها الأم من فراشها اللين فكادت تتساقط قطعها المتصلبة وتتناثر كمكعبات الثلج البارد على الأرضية المضمخة بآثار الوحدة.. لكنها قاومت وتصلبت كثيراً.. ولمعت عيناها فى تحد وعتب على الأم الطيبة التى لم تلتق معها قط .. فقد كانتا كقضبان قطار..فزاد إصرار الأم.. وانتصرت فى انتزاعها المؤقت من ذاتها لتلقى بها وسط القاعة الفسيحة التى خلت من كل شىء على غير العادة
وهنا برق فى حيز الوجود أولئك النسوة القاسيات.. اللاتى أمسكن بها من معصم رقيق وقذفن بها فى وسط الدائرة .. فصرخت .. لوحت بيديها بكل ما بهما من عنف باق.. صارعت للرجوع لكن صراخها ضاع كالثلج المتساقط منها دوماً وسط قرع الدفوف الذى بدأن فيه .. صار صراعها مؤلماً فأيديهن موجعة..وهى تناضل .. جنيناً ضعيفاً يرفض الخروج لما يسمونه حياة.. بحثت عن لحظة عتق فأبيْن بكل إصرار.. وزاد قرع الدفوف يصم حواسها عن كل تفكير.. وانسابت معهن مرغمة فى الطواف حول مركز تفكيرهن المشبّع بأداء المهمة
ركلات الصبية لها فى ساقها قديماً وهى تلعب معهم الكرة خلف البناء القديم تؤلم ذهنها.. وحلقات الدرس التى كانت المكان المفضل لأستاذها لمداعبة أناملها أمام البنات تحرق أيامها.. قبلة زميل الدراسة الذى اقتحمها رغماً عنها أعادت لها الغثيان من جديد
صارت وجوه النسوة غريبة الملامح.. قاسية كالصخر .. وثقيلة كالكابوس لاتوقفه لحظة صحو.. وأصابع الأم تنغرس فى جنبها حتى لا تخرج عن محيط الدائرة المارقة بإحكام
تتهاوى فى لحظة غياب عن الوعى .. وتفيق قبل السقوط وقد رفرفت فوق قميصها دجاجة ذبيحة .. وسال الدم بلون لم تميزه.. لكن رائحته نفذت إلى أعماقها .. ولزوجته تجثم على صدرها .. تغيب تماماً عن وعى منشود .. وهى تدرك تماماً أنها صارت داجنة بما يكفى