بقايا أمسية أنثى
جلستَ على بدايات أمسيتها تلك ... تـُحِيك أسراب ذكرياتها وتنظمُ شواردها في انحسار مدّ الضوضاء وغياب جزر الصخب ، والقمرُ في إمعانه ، يتزيأ ليدلفَ مهرجان عُرسِه في بهاء ما قبل المنتصف.... جئتها قبيل مخاض بكاؤها ...! جلست إليها ، شعرتُ أنها تتلمس تواجدي في محاولتها لتمييز عطر دخيل غير المُتعّبِد والهائم في الجوار ... أمِنتَ أنني هنا فأخذت تتحسس أولى خطواتها وهي تـُفضي إليّ بشجنها ! لم تكن تحّـفُل بعربدة تلك النـُجِيمات المُتسارعات يسترِقنْ مخارج حروفها فيُمِطنْ لثام البوح ، بقدرما حرصها على مواصلة حديثها دون انقطاع وكأنها تخشى هدنة لبلّ الريق تـُذ ّهبُ تواتر البقية إلى عوالم النسيان بإحساس أنها تريد أن تتذكره هنا وفقط وأنه قابل لمرة واحدة ... أعرتها كل حواسي ! حتى التي لا تسمع وبِتُّ في إنصات المُلهَم المُحفـّـِز حاسة السمع لغناء الطبيعة... فجأة ! تغير كل شيء في اٌقل من هُنيهة ...!! الهدوء الورٍع إستـُعمِر بضجيج الموانئ ومحطات الوصول ، إكتسحت الغبرة واعتلت وتسنـّمت كل الأشياء ، إختلط رقيق حديثها بعواء الريح وضياع أصوات المستغيثون ... ثم ما لبثت أن صمتت كل الأشياء وتحولت إلى تكونات كثبانية من الغبار والرمال ، لتخلق لوحة أشباح صامتة لا تبرح أمكنتها على خلفية بقايا ما تبقى من القمر ، وتحولت بعد أن كانت أمسية تختال على بهو الروعة إلى بقايا أمسية أنثى ، كانت تـُراقِصُ المكان ... ولم يبقى منها أومن بوّحها إلا قليلُ من هاربات عطرها المُنثال على ذرات الغبار المُتطايرة
..... تنتهي ...