خارج قلبي

رحلتِ...
وضاعتْ خُطاك بدون اهْتداءْ،
وخَلفك تاهتْ حروفُ النّداءْ؛
تلاشَتْ أمامي خيوط الضياءْ،
فلم يبقَ لي غير برد الشتاءْ،
وقلب حزين بلا كبرياءْ
يوَدُّ البُكاءْ.

فمن سوف يدفئني في المساءْ،
ومن سوف يحنو عليَّ
إذا الليل جاءْ؟
فأطْبَقَ وجه الظلام بكل مكانْ،
وتاهت بعيدا نجوم السماءْ.
ترى، من سَيُشْعِرُني بالأمانْ
ومن سوف يغْمُرُني بالحنانْ
وأنت رحلتِ..
رحلت...
قُبَيْلَ الأوانْ؟

رحلتِ...
ولكن إلى أينَ
يا روح روحي؟
فخارج قلبي
ينام الزمانْ؛
تكُفُّ الشُّموسُ عن الدورانْ،
وليس هناك سوى اللامكانْ
وأعمدة من دخانْ،
تُعيق النجوم عن اللمعانْ.

وخارج قلبي
تكف الطيور عن الطيرانْ،
يموت شذا الزهر والأقحوانْ،
يَبُحُّ الصّدى في غناء الكمانْ
وليس هنالك بر أمانْ
سوى نبض قلبي،
فعودي إليّ..
إلى دفْءِ حبي.

تعالي نقيم الصلاةَ
على معبد الحب، كي لا تموت الحياةْ،
ولا تتركيني أعيش مع الذكرياتْ
كطفل، أنامته أمه دون اكتراثْ..
بلا دندناتْ..
بلا أغنياتْ...

تعالي إلي فإني حزينْ
أصارع وحدي رياح الحنينْ؛
تعالي فإن شراع السفينْ،
تكاد تمزقه العاصفاتْ،
وليس لديّ من الزّاد في غربتي،
سوى أمنياتْ.

تعالي معي كَي نشدّ الرحالْ
إلى عالم من خيالْ،
أزاهيره من نجوم السّماءْ
تَضوعُ سنًا، تحْت شمس الزّوالْ،
وأطْيارُه منْ شدًا وابْتِهالْ،
تُشَقْشِق تحت الظلالْ.

تعالي إلي فيغدو المُحالْ
قريب النوالْ،
نؤسّس فيه من الحب،لحْنًا
يذيب قلوب النِّسَا والرّجالْ؛

تعالي فإن قطار السنينْ
يسافر بي، نحو أرصفة اللايقينْ،
ويقذف بي في القفارْ،
إلى ظلمة ما لها من قرارْ؛
فعودي إلي ولو بعض حينْ
لتشرق شمس النهارْ؛
تعالي إليَّ
فكلي حنينْ،
وفَيْضٌ من الشّوق والانْتِظارْ.

رَحيلُكِ كَان امْتِحانًا لِروحي
وعَزْفا على شَرَيانِ جُروحي،
نَعمْ يا حَبيبةَ قَلْبي،
فَأنْتِ فَتَحْتِ جَميعَ الدّروبِ
وأَغْلقْتِ دَرْبي.

رحلتِ
عنِ القلْبِ والذّكْريَاتْ،
وكُنتِ تَنامِينَ دَومًا بقُرْبي،
وحبّكِ كانَ احْتلاَلاً لكُلّ الجِهاتْ
بأَدْغالِ قلْبي.

ومَا كَانَ ذَنْبي،
سِوى أَنّني، يا حَبيبةَ عُمْري
وَهَبْتُكِ قلْبي،
وفَوّضْتُ لله أَمْري.
فَمَا كَان مِنْكِ
سِوى أنْ وَضَعْتِ الزّهورَ عَلى نعْشِ حبّي،
وأَغْلقْتِ خَلْفكِ بابَ الرّجاءْ؛
فَلمْ يبْقَ لي غَيْرُ بَرْد الشّتاءْ
وقَلْب حَزينٍ بلا كِبْرياءْ
يَودّ البُكاءْ...