من أوراق فرح


"أراوغ أمي ومن حولي لأكتب مذكراتي وبوح ذاتي...وأودع أسراري هذه تحت وسادة لي صغيرة ...


ثمة أوراق كثيرة لي باتت هناك....ترى متى سأملك الجرأة لأكشف أوراقي ؟"


هذا الليل لم يتوان اللحظة عن إلقاء ضفائره الطويلة في وجهي , ولم يبخل بسكب بحر من السكون بين كفي الصغيرتين ,
بالرغم من زخات مطر تطرق نافذة غرفتي بين الفينة والاخرى في محاولة متواضعة لكسر هذا السكون,
أحاول أن أكون جزءا من هذا الجو الليلي , فلا تطاوعني عيناي لنعاس, ويصحو في مكان ما في جسدي ألم يمور ولا يهدأ , تستنفر كل حواسي, ويستفزني هذا الهدوء الذي لا يأبه بي,ينهشني شعور الشوق للحليب ,هذا الذي لا تسنح لي فرصة استكشاف طعم سواه,
وأطلق بوق تعبيري الذي أتقن النفخ فيه لغاياتي المتعددة بأقصى طاقة لدي ,لأمزق ثوب سكون يطول وينساني,
بسرعة غريبة يقترب مني ذات الوجه الذي اعتدته ,وأشتم رائحة حنان دافئ وحب صاف , واستبشر بالخير الجزيل, هي من تدرك تفاصيل حركاتي وسكناتي,وها هي تهدهد سريري, تناغيني, ثم أشعر بدفء يلفني يغاير دفء الفراش المعتاد,
لكن...لا زال ألم ما يؤرق جسمي الغض ويلسعه بلا رأفة , يعلو صوت بكائي , وأسمع والداي يلهجان بأدعية وتراتيل تعجبني ألحانها , فأسكن قليلا لأتلذذ بما يجودا به علي ,وما إن ألمح علامات ارتياح بدأت تستقر على وجه من تحتضنني ,
حتى يقرصني الألم مرة أخرى,إنه يترصدني, أي شيء هذا الذي يجرؤ على غزو مدائن أمي؟


وتنطلق صفارتي من جديد و بأعلى ما يمكن معلنة ألمي, وها هي أمي تقلبني...تدقق في كل جزيئات جسدي...
وتمسح كل بقعة فيه علها تتحسس مكمن البكاء بعدما تقاصرت فترات إغلاق فمي, ولم توفق في رحلتها الاستكشافية هذه كما يبدو,
أنا تعبت,


تــ عـــ بــــ ت......, وإنهاك يسري من رأسي حتى أخمص قدمي,وعلى وجه أمي حل بحران من التعب والقلق في آن يتلاطمان على قسماته , لكنها ما فتئت تتحرك بي, تحضنني بشدة تارة وتهرول تارة أخرى باحثة عن أي أمر قد يكون من شأنه تهدئتي,
لحظات وتستقر بين كفيها عوضا عني أداة لمحت مثيلتها في عيادة التطعيم مرارا, وأحتفظ لها بذكريات وخزات أليمة في مواضع عدة في جسدي,لكني لا ألمح رأسها المدبب المؤلم ...ارتحت قليلا .... إنها تضمر لي أمرا,
عبأتها بسائل ذي لون شهي, وانتظرت بشوق ولهفة وفضول لأعرف هذا الجديد , إنها تعاين ما بيدها للمرة الأخيرة ,
وتسرع بها لفمي, تفرغ محتويات السائل الجذاب فيه, أوووه.....ياله من طعم مر يعكر طعم لساني الحليبي!!!


أين انت أيها الحليب اللذيذ؟ ويُبتلع رغما عني, إذ أنها " أمي " تقف لتحركات فمي الممتعض بالمرصاد,
فلا تسمح بتسرب أي نقيطة خارجه , وما إن تدحرج في حلقي حتى آخر قطرة فيه حتى فتحت بوابة فمي على مصراعيها في ضجة كبيرة وبلا انقطاع , لحظات مرت و أشعر بدبيب يسري في أرجاء جسدي يشعرني ببعض الخدر والارتياح,
وها هو الآذان يلامس مسمعي في اعلان لانسحاب الليل وضفائره , أتلفت باحثة عن وجه أمي فأجدها لا زالت ترقبني وتتأكد من دفء فراشي, أشعر براحة لذلك على الرغم من إرهاق عام يغزوني, يبدو أن رياح الألم تجرجر أذيالها مغادرة أطراف جسدي,
وأتلذذ لنسمات نوم تتقدم صوب أجفاني, لا زلت أشعر بحركة حول سريري وأدعية دافئة تهدل في أفقي وتناغم صوت الآذان ,
...ها أنا على بوابة عالم النوم والأحلام....يتناهى لمسمعي تهامس امي وأخواتي اللاتي أفقن كما يبدو الان استعدادا لرحلة نهار جديد بانتظاره,. تتلاشى الأصوات حولي تدريجيا ...إذ إنني ...أنــــــــــــــاااااام .



*فرح هي طفلتي ذات الشهور الستة .