قررتُ أن أسافرُ إلي شوارع ذاكرتي المرهقه ، حاملاً فوق كتفي حقيبة سفري الرمادية ، يلاحقني دُرج الذاكرة حبيس عقلي الباطن ، أزرعُ هناك خيمةَ توهمك ِ .
وأتوحدُ مع ذاتكِ التي سافرت إلي حيث لا أدري ، لكنها تركتْ لي استنساخاً في كل ماحولي ؛ فوق سطوري أو في حبري ، بين أوراقي .
في مواكب الشمس تأتيني كل صباح تحمل في راحتيها نسائم الوجع ؛ أشعرُ أني أفتقدك .
أصافح الآه ، وأضمُ أنين الذكري وأُخبئُ بعض من دموعي خلف نافذة الزمن لبعض الوقت ؛ أفتقدك جداً .
أفتشُ في طي السنين (الزرقاء) ؛ (مقهي الحد اد) ، وصمتُ البطالة مطموسُ بصوت النرد فوق الطاولات العتيقات ، واحتراق سنين العمر الزاهرة في غفوة الأماني المسكينة .
(فُرن المصري ) وخبز الغادون خماصاً المتوكلون علي الله حق توكله ؛ ( المحطة ) وعصير القصب ، والبنات الواقفات علي نبض قلبي ، ينتظرن القطار الزاعق من الجنوب كأنهن زهور البنفسج وعقود الياسمين .
أحبك من جديد .
أُقَلبُ صفحات البحر الأبيض المتوسط ، وأَرْقُبُ البحران لايلتقيان إلا علي الطُهر والعشق الصافي ، بينهما برزخُ لابغيان الغدر أوالخيانة .
صافياتُ كل نساء المدينة الأبدية ، التي حملها البحر في أحشائه تِسْعُ كاملات وأرضعها النهرُ حولين كاملين ، سيدة ًبَضًة فارعة الحضارة والمهارة نُقشتْ علي صخور شاطئها العتيق .
بزنود رجالُ سُمر كطمي النيل المقدس أشداء علي الدخلاء ، رحماء فيما بينهم .
أجدني مابرحت أحبك .
تلك بلادُ "الأرابيسك " و " البسبوسة" ، بلادُ الحب والسفر ، بلاد العشق الغامض ، بلاد الحنين الأزلي ، بلاد حبيبتي ، بلادك أنتِ .
هي بلاد ( الشعراء) جنوباً و ( السيالة ) شمالاً بلاد ( الأعصر ) في الغرب وطَرْفُها (مقهي السوسنة) ، أشتاق اليكِ .
تزورُ ذاكرتي (شارع النيل) الناعس في حضن الضفه الغربية مابين (رأس البر) و(عزبة البرج ) ، أتذكرُ عينيك .
أفتشُ في مساحة قلبي الممتدة من (مدينة العرائس) و (شاطئ الجِرْبي) جنوباً حتي (شارع النيل) حيث مساء البهجة ، والصبايا يتبخترن بحنان كأنهن الوجي الوحل حتي (اللسان) .
حيث العم صالح يبيع حُمص الشام وأنتِ بجواري جُورية دمياطية تتأبطين ذراعي ، ورأسكِ يتدلل فوق كتفي وتُداعبُ خدودي خصلات شعرك اليل الحالك .
نُساِمرُ الأمواج سوياً ورزازها يُقْبلني بملحه اللذيذ ، وتلاحقينني حتي تنهار أنفاسي ُمْتعبة ، نأكل "الآيس كريم" ونرحلٌ ، وصوت آذان الفجر في حارات (عزبة البرج ) يهزُ جدرانها العتيقة .
وتتجافي جُنُوبُها عن المضاجع تتوضأُ من الندي الطاهر فوق أسطحها البريئة ، وتُصلي الصبح علي "المَعَديْة "، وصوتُ "الفُلوكة" يُقَبِلُ نسيمُ النهر الفواح .
ويلاطفُ خدود بنات المدارس "بالمريول" الكحلي ، ويهمسُ لخصلات شعرهن الساحلي المترامي فوق رموش براعم الروضة ، وهم سائرون يتقافزن كالزنابق .
والضفائر ذات الشريط الوردي تتطاير لتعانق الأيام الخوالي ،أتطلعُ من حولي لا أجد إلا الذكري أعودُ من حيث أتيتُ .
ومن نفس دروب الذاكرة المرهقة إلي الغربة المُره حيث لا أنتِ وحيث لا أعرفني ولاأجدكِ .