البنفسج لاينتحر ليلاً
قصه قصيرة
بقلم / سامح محرم

حين التقيتُ به أول مره في ذلك الحفل الحالم وتلك المعجبات تلفه بهالة من الضحكات المعطرة بعضها بحب وإعجاب وانبهار جعلني اشعر بالملل والضيق والضعف وأمام حضوره الجارف كان يُوسِفيُ الوسامة ناصري الكرامة وجدتني اكرهه وأكره تلك النسوة الآخريات يودن توقيعه السامي وبعضهن يسألنه عن حياته العاطفية وحبيباته المجهولات الآي يملأن قصائده؛عن العشق والشوق وجراحات الهوى وصبابة الغربة وحرقة الفراق والجوي وغربة القلوب وغيرها من القصص القصيرة والخواطر التي لم أقرأ منها ولاشيء 0
جلست من بعيد أراقب الموقف وانا اشعر انني في حلم غريب او شيئ أشبه بمسرحية هزلية سريانية لاأفهم مايحدث ومشاعري متصارعة في حلبة قلبي فلست من هواة الشعر اوالنثر؛ ولم أكن في نيتي الذهاب لتلك الأمسية غيران بنت خالتي – الله يهديها - مولعة بالشعر وأقنعتني بصعوبة أن أذهب معها من باب تغيير الجو الكئيب الذي أعيش فيه منذ ثلاثة وثلاثون ربيعا هي عمري الذي سرقه الزمن مني وسَرَقَتْهُ تلك الأيام التي قضيتها في السفر من القاهرة إلي الإسكندرية إلي مطروح ورأس البر رحلات مدرسية وكشافه وفسح وأجازات صيف وأنا البنت المحبوبة آخر العنقود الحاكمة بأمرها في البيت والجامعة؛ فارغة العقل بلا اهتمامات أو مسؤولية أو طموح للغد الذي لم أعرفه يوما ولم أخطط لملاقاته ابدا0
كنت أظن إنني سأظل البنت الصغيرة ذات السبعة عشر عاما والضفائرالغجرية حيث كبرتُ أنا ولم تكبر هي بل ظلت تتطاير خلفي تذكرني دائما أني طفلة ضحكاتها تصافح السماء وبسماتها تحتضن السحاب ودمعاتها تمطر الدنيا أسي وحزن تعاطفا معها إذا يوما أدمعت 0
عشت حياتي فارغة القلب بلا حب أو عشق رغم كل المعجبين الذين حاصروا قلبي في طرقات حارتنا الحنونة يتغزلون في الشعر الليل الذي يغازل جيد الغزال إذ تهادي بكعب عالي يهز جدران أشجع الرجال وتهتز لعرشه شوارب المحاربين وكم غنوا لعيونها السود الساهدة يرتشفون من نبع اللمي المتكبر أشعارا من القصائد تملأ محيط خصري حين أرتدي ذلك السروال الجنس الأزرق وأمطار من همس المعجبين العشوائيين تغرقني في طريقي إلي الجامعة ذهابا و إيابا؛

كنت أمر بجانبهم لا تحركني أي من تلك التفا هات أو كنت أعتبرها كذلك كبرت وشاخ قلبي وهرم شبابي وظهرت التجاعيد في بسماتي وانحت ضحكاتي وصارت أنشودتي عجوز من العمق رغم كل محاولاتي للمحافظة علي رشاقة قدي ونضارة بشرتي وصفاء سري وسريرتي وذهابي إلي تلك الكلية الليلية أدرس فيها لست أدري لما ذهبت الي هناك هل للبحث عن عريس أو حبيب أو زوج ومن سيعجب بامرأة ترتدي نقاب أسود وعباءة سوداء ولا تري لها صوت أو تسمع لهل سكوت هي خيمة تمشي علي الأرض هل ذهبت أنا لأبحث عن ربي يهد ين سواء السبيل وأعرف شيء من القرآن الذي هجرته فهجرني هل ذهبت لا تسلي مع صويحباتي السخيفات الآي لا يعرفن سوي العيال والأزواج والمصاريف وبعضهن اللائي يعرفن ويقدرن جيل من أمثالي اللآي فآتهن قطار العمر السريع وهاهن يحاولن أن يواسيني ويقدمن لي نصائح عن الصبر والصيام فتبكي جوانحي وتذرف عيوني دمع بارد حتى يقدمن لي منديل ابيض لأمسح بعض من برودة الزمن عن وجنتي لأشعر بهدوء يسود القاعة لم أعد أدري أين أنا في قاعة الأمسية الشعرية أم قاعة المحاضرة وأين وصلت بشرودي هذا وكم من الوقت سرحت وأفقت علي صوته الهادي وابتسامته الغنية بحنان لا تصفه كلمات يمد يده إلي بمنديل قائلا " تفضلي امسحي دموعك " تجمدت الدماء في عروقي ووقفت من جلستي التي شردت فيها أسرد قصة الأمس القريب والماضي المضارع والأمر الذي رفع بالكسر والضم وأصبح محله من الإعراب خاليا كقلبي ونسيت من حولي ومن معي..و وقفت أمامه كالبلهاء صنم تخشب في أضلعي واحمد ربي أني ارتدي ذلك النقاب الذي أخفي حمرة وجهي وتصبب عرقي وارتعاشه يدي ورجفة جسدي ولكنة عرف كيف أني ابكي ..؟
وكأنه يسمع صوت سكوتي وصراخ صمتي فأردف قائلا:
" تفضلي .. تفضلي ..واعلمي يا سيدتي أن النقاب لا يخفي كل شيء وان البنفسج زهرة يمنعها كبريائها من الذبول ليلا فتتساقط من أغصانها في وضح النهار.."

منحني المنديل حين منحني ؛ عمرا جديدا ورحل أمسكت المنديل بين أصابعي كان دافئ حنونا ضممته إلي يدي ليحتضن ما بي من برودة واحتراق ورحل وتركني في تلك القاعة الكبيرة التي ضاقت من حولي واتسعت بحثت عنه وحاولت عيوني البحث عنه في أمسيات الشعر التي صرت أعشقها ونوادي الأدب التي أدمنت ارتيادها ورحت اقتفي أثره في المنتديات والمواقع الأليكترونيه ولكن "الجمل لايلج في سم الخياط "
و بقيت وحدي أعيش علي ذكري ذلك الموقف .
وها أنا أقف وحدي من جديد بطلة لأسطورة البنفسج مابين النقاب والمنديل
مابين الموت والحياة ومابين الإنتحارليلا و السفر إليه والبقاء في حضن منديله وصوته وكلماته وأشعاره التي صرت أحفظها وأدمنها ..ويخرجني رنين هاتفي المحمول من تلك الأزمنة ونظرت إلي ذلك الرقم وبدأ قلبي يخفق ويدق بشده هذا الرقم ليس رقم غريب أن يشبه رقمي .. من هذا..؟ الووه .. الووه.. من معي....