نص فيه من التوهج الوجداني ما يُلجئ القلب إلى صمته، ومن البلاغة الصامتة ما يُرغِم اللغة على الإنصات.
"وقف والباب من خلفه"
بدايةٌ مشحونة بالرمزية؛ فالباب هنا ليس مجرد معبر فيزيائي، بل حدٌّ فاصل بين ماضٍ مغلق وحاضرٍ مفتوح على احتمالات الألم والدهشة معًا.
يقف وهو مشدود كوترٍ، متأهب للقاء، وكأن لحظة الرؤية ليست لحظة عابرة، بل منعطف وجودي.
"التقى وجهه بوجهها"
بكل اختزال، تُمطَر اللحظة بالحنين دفعة واحدة،
وكأن الزمن أوقف عقاربه احترامًا لتلك الومضة.
"جمعتهما سحابة ماطرة بالشوق والحنين"
السحابة هنا ليست سماء، بل ذاكرة عالقة في الأفق،
والمطر ليس ماءً، بل دموع قديمة تتساقط من الذاكرة ذاتها،
فـما أغزر الشوق حين يهطل من عيون الصمت.
"أزهرت الكآبة في نفسه"
تركيب يخرق المألوف، إذ جعل من الكآبة زهرة،
تُعلن عن نفسها في حديقة الروح كشيءٍ مزهرٍ ومؤلم في آنٍ.
وهل هناك أجمل من مفارقةٍ تخلط الألم بالجمال؟
كأن الحنين بذرة، والكآبة ثمرتها.
"سارع لتشتيتها قبل أن تتسع"
وهنا، تتجلّى فطنة الإنسان حين يخاف من اتساع الشعور،
كأن الذاكرة قنبلة مؤجلة، يخشى تفجيرها بالاستغراق.
"سمع ظلّه يوزع صراخه بين جدران المنزل"
هنا كانت قمة البلاغة .. إذ تحوّل الظل، ذلك الكيان الصامت التابع إلى كائن صاخب يصرخ ويبعثر آلامه في الأماكن.
إنه تجسيد للشقّ الخفي من الروح،
حين يصرخ القلب لكن بصوت الظل.
"أحس أنه تعرّى من ثياب الماضي"
نهايةٌ مدهشة كأن اللقاء لم يكن تذكّرًا بل تجريدًا،
خلع فيه عن روحه غطاء الذكرى، فوقف أمام الحاضر كـكائنٍ هش، عاريًا من الزمن، لكن مغطى بالوجع.
نصّك اديبنا الكبير لم يكن وصفًا، بل كان تقميصًا للروح، فلبس القارئ حنينك، ومشى في دربك،
وخرج متّشحًا ببعضٍ من وجعك.
دمت مبدعًا
ودام الحرف الذي يعري الزمن، ليُلبسنا شعورًا نقيًّا لا يُنسى.
فائق الاحترام والتقدير