في ذاك الجانب !
بين الأطلال مسيرتُه
في أرض حيايا وعقاربْ
يتقـدّمُ ويُحاذرُ رملاً
مُفترساً يلتهمُ الرّاكبْ
والشّمسُ بأحمى كُرباجٍ
تجلدُ شِبهَ الوعي الغائبْ
البدوُ الرُّحَّلُ .. يلمحهُم
ويخرُّ على الرَّمل اللاَّهبْ
بكيانٍ مُمتقعٍ يهوي
في بحر اللاّوعي الشّاحبْ
فاتنةٌ ، تسقيه شراباً
وبه ثلجُ حيــــاةٍ ذائبْ
تَهمِسُ : يالك من مجنونٍ
هل أنت بعقلك يا صاحبْ ؟
ماذا تفعلُ خلف المنفى ؟
وإلى أين ؟ ومِمَّن هاربْ ؟
قال أنا وطنٌ مسلوبٌ
وحياتي مِشوارُ عجائبْ
أركبُ أخطرَ مُنحنياتٍ
وأخوضُ تَجاربَ ومَصاعبْ
أنتفضُ لحقٍّ مُغتَصَبٍ
وأُسفّـهُ جَبروتَ الغاصِبْ
مَن خَرّبَ أعشاشَ طُيوري
ليُقيمَ له وكرَ ثعالبْ
واقتلعَ جُذوري وعُروقي
مِن أحشاء الطّين الغاضبْ
بيديّ أقاومُ سطوته
مهما انغرستْ فِيّ مخالِبْ
مهما انطفأتْ فِيّ شُموعٌ
مهما احترقتْ فيّ مراكبْ
فسمائي تُمطرُ ثُوّاراً
وبغيمي مُليونُ مُحاربْ
أبحثُ عن حسناءَ اختُطِفتْ
وبهذي الحسناء أُطالبْ
صرختُها عَبَرتْ ودياناً
وجبالاً مُدُناً ومَضارِبْ
انهمرتْ في القلب أنيناً
مكتوماً فأتيتُ أجاوبْ
هَمَستْ : فالّليلةََ واعدني
بعد زوال القُرص الغاربْ
وتخفّـى عن عين المنفى
والحقْ بي في ذاك الجانبْ
فتلفّـعَ كُوفيّـةَ ليلٍ
وعباءةَ جَوّالٍ راهبْ
واجتاز جماجمَ وقُبوراً
في صمت الصّحراء الصّاخبْ
قالتْ : يا عابرُ أنقذني
قلبانا في ذات القارِبْ
قافلتي قُطّاعُ طَــريقٍ
وأنا في يدهـم كالقالِبْ
البدوُ قطيعُ جواسيسٍ
معهم سُيّاحٌ وأجانبْ !!
خطفوني نهبوا أمتعتي
تركوني من غير حقائبْ
كُنتَ فراشةَ أجمل وادٍ
في جنّة زهرٍ ومَلاعِبْ
أنثرُ ألواناً وبهاءً
وشذىً وعبيراً ومواهبْ
داسوا أزهاري وحُقولي
لفّوني بشباك عناكبْ
إنّي بغدادُ وما مثلي
في الدّنيا من ذاق مَصائبْ
قال لها : بل أنتِ عُيوني
بل أنتِ البُؤبؤُ والحاجبْ
عنكِ قلبتُ الدُّنيا بحثاً
وسألتُ نجوماً وكواكبْ
أرجوكِ ابتسمي غانيتي
ستزولُ عن القلب نوائبْ
وسيُثمرُ نخلٌ وفُراتٌ
وتعودُ إلى الشّطّ قواربْ
وتفيضُ الأجواءُ طُيوراً
وتَرشُّ الصّحراءُ أرانبْ
فالنّصرُ أراهُ بجانبنا
في صفّ الإيمان يُحاربْ
.. صوب المجهول قد انطلقا
يدفعهم أملٌ مُتواثبْ