
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان
الرَّقْصُ مَعَ الْمَوْتِ.
لَيْلٌ يَنْزَاحُ ويَرْحَلُ, وآخَرُ يَقْبَعُ في قَلْبِي...يُغيمُ في عيني ...يأكلُ من جلدِي . أُزيحُ العفنَ العَالقَ بالجسدِ, أرى بعضِي يتركُ بعضِي , يَأكلُهما التفَّرقُ في طرقٍ ملبدةٍ لتيهِ اليَأسِ. تَغمرُ بقايايَ رِيحٌ لا تتحركْ ... تُبعثُرنِي أبداً لا تُصالُحُنِي. أتَهجَأُ العَودةَ, وأفْترضُ لها طرقاً , لكنَّ ذاكرتِي مطفأٌ فيها الرَّمادِ, أستُلُ الخرَائطَ كيْ أَصلَ... فأصْطدِمُ بدرْبِي المعبأةَ بِي وحدِي مع غوْغاءِ وهمِي, وكثيرٍ من يأسٍ يحتَضِنُ يَأساً.
جَسدِي مسْتباحٌ فوقَ أَرصفَةِ العُمُرِ المسروقِ... مَنْ يُعْلنُ موتِى ؟
يَتكَسرٌ وجْهِي, يَتساقطٌ وجْهِي مع دمعِي , أتَوَسلُ جزءًا منْ بعضِي لِيُلمْلمَ وجْهِي المُتبعْثِرَ في صرَخاتِ الذَّاتِ, أحْملُه ُ شَظايَاهُ تُدمِى كفِى. كيفَ أُصْلِحُ وجْهِي ؟ أَبحثُ عنْ مَوتِى ... ما كلُّ هَذا الوَجَعُ!
هلْ أَصرُخُ ؟ فلأَصرُخ... لكنْ ما بَالُ الصرخةِ مقتولةٍ فوقَ حبالِ حُرُوفِي الثَّكلَى ! ما بالُ الزَّفرةِ تَجْهضُها شِفاهُ الوجَعِ الظَّمْأَى ! ما بَالُ جِراحِي مَذْهُولة!....تَتراقَصُ معَ مَوتِى ...تَترَاقص على أشْلاءِ النَّبضِّ.
يَتلَوَنُ جَفْنُ بُكائِي بالدِّمِ النَّافِرِ مَنْ بُؤبُؤِ ِوَجَعِي, جَفَّ نَهرُ الصَّبْرِ ونامَ منْهُوشَاً مُرتَاحَاً علَى جُثثِ صُرَاخِي... مَنْ يُحْصْى جِرَاحِي؟ ماْئة ٌ...ألفٌ ....مِليونٌ ...مَللتُ العَدَّ, فمَنْ يٌحصِى جِراحِي ؟ أَسْألُ أمْسِى لِمَ تُشبِهُ يومِي, لم تشبه غَدِى وبَعدَ غدٍ؟ يُنَادِينِي أَنِينِي أَنْ كُفِي , وابتلعي غصتك بظلالِ الموتِ العَطشَى لفؤَادِكِ. فُؤادِي أتُولْولْ ؟ لاَّ تُوَلوِلْ! قدْ مَلَّ ضَجَرِي صُرَاخَ نَبضِكِ. لاَّ توَلْوِلُ!, وارْقُصْ مع مَوتِى, دَعْهُ يَلُوكُ آهاتِكَ فمَا عَادَ لكَ حَبيبٌ ولاَ ذِراعٌ تحْويكَ, فتَرَاقصْ بَينَ ذِرَاعَيْ مَوتِكَ... لاَّ تَتعبْ... ارْقصْ, ارْقٌص لا تسْأَمْ... واسْكُبْ دمَكَ سيْلاً جَارِفاً فوقَ رُفَاتِكَ, لاَّ تسْتَجدِي الرَّحْمَةَ, فالرَّحمَةُ حُلمٌ ليسَ لَكَ.
وأنْتْ! أنتَ ما عَادتْ تَألفَكَ الأَحْلاَمُ, ما عادْت تعرِفُكَ الألْوانُ ... ألوَانُكَ ذَهبتْ معَ مَنْ ذَهبُوا, ذهَبتْ خَلفَهُم تتَوسَّلُ آثارَ الحِرمَانِ . لاَّ تبْحثْ عنهُم ولاَ عَنْها, وكَفاكَ مِنها أسودٌ... يَعزِفُ لكَ مِنْ أنْغَامِ أَنينِكَ مُوسِيقَى المَّوْتِ, فرَقْصُكَ معَ مَّوتِكَ حَتمَّاً يَحتاجُ الأَلحانَ.
لِمَ تنْظرُ لِي؟ رَفعْتُ الرَّايةَ وسَّلمْتُ, وأَقْسمْتُ بِقسْوَةِ مَنْ يَهوَاهُ حَنِينِي, أنَّ زَمَانِي أَبَداً لَنْ يَهوَانَي , وأنَّ المَّوْتَ وَحْدهٌ وَحِيدِي وحَنُونِي , هُوَ وَحدَهُ مَنْ سيَهبُنِي أَكْفانِي. لاَّ تَنظرُ لِي! أوَترْضَى بالعَيشِ ذَلِيلاً ؟ تتَوسَّلُ فُلولَ عِشقٍ هَارِبةً في قَلبِ سَّكنَ مُدنَ الغِيابِ , تَتسَّولُ نَهرَاً فِي صَوتَه كَانَ يُسقِيكَ. جَفتْ آخِرُ أنْهارِكَ, لاَّ تَقلقْ, أدَّخِرُ لّكَ بَحرَ دمٍ؛ سَتروِيكَ مِنْهُ مَدَامِعِي . لاّ تَنظُرْ مذْهُولاً ! سَقطَتْ قلْعةُ أوْهامِكَ, سقَطتْ... سقطَتْ. اتْرُكنِي الآنَ أُعدُّ طُقوسَ الرَّقصَةِ:
سَيكُونُ المَرقصُ جُثةَ عِشقِي المصْلوبِ فوقَ أَوتَادِ الظَّلمِ المَلعُونِ, وحَولِي ... جُدرَانُ سَماءٍ تَتصَّدعُ صَارخةً... بِصوتٍ يَائسٍ مَبحُوحٍ, ومَطرٌ تنْزفَهُ شرَايِينُ وجْدِي المذْبوحِ, ورِياحُ خرَابٍ تَبصِقُ نَاراً فِي وجْهِ الحِلمِ المَجرِوحِ , وأنِينُ فَجرٍ يَلعَقُ دمَهُ المُتخثِرَ فوقَ ورودٍ سَحقتَها خَطوُ السنُينِ, وقًمرٌ شاحِبٌ يَتدَلى مِنْ ليلِ العشقِ المُتوجعِ , ونَجْماتٌ تَهوِى صَريعةً مُحترقَةً... تُطلقُ رَمادًا منْ شجنٍ, وغَيماتٌ سُودٌ... تَشهقُ من فمِ الصمتِ المَفجوعِ, وحَفيفُ أشْباحٍ تَزأرُ فِي أُذنِ صَدَاها المَخرُوسِ ...في قلبِ الموتِ المدهوشِ, ومن بعيدٍ... يأتي صَوتُ ذئبِكَ يَعوِى عواءَه المكتومَ, ليكتملَ اللحنُ... لحنُ الموتِ المحتومِ. والآن... لنبتدىءُ الرقصَ المجنونَ.