صفحة 1 من 7 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 62

الموضوع: القصة الماسية لشهر آذار : أبو عبدو .. للمبدع مازن لبابيدي

  1. #1
    من مواضيعي

      القصة الماسية لشهر آذار : أبو عبدو .. للمبدع مازن لبابيدي

      تقديراً للجهد المتميز الذي يبذله الأخ أحمد عيسى مشرف القصة ، أقدم لكم هذا العمل المتواضع الذي أرجو أن يحوز رضاكم ويحظى بآرائكم .






      أبو عبدو
      ---------


      وَقَفَ لِلَحظَةٍ مَدْهوشاً وهُوَ يَنْظُرُ إلى ذَلكَ الرَّجُلِ الأَنِيقِ، المَيْسور عَلى مايبدو، يُلَوِّحُ لَهُ رافعاً رأسه ليراه ويُنادِيهِ مِنْ بَعِيدٍ فِي سُوقِ الخَضْراواتِ : أَبا عَبْدُو ... يَا أبا عَبْدُو ، نِداءاتٍ مُتتَاليةٍ بِصَوتٍ مُرتَفِعٍ يَجْهَدُ للتَّغَلُّبَ عَلى ضَجيجِ السُّوقِ .....، وسَرْعانَ ما استَبْدَلَ أبو عبدو الدَّهشَةَ بالبَهْجَةِ والانشِراحِ وأَسرَعَ إلى صاحِبِ الصَّوتِ مَعَ أَنَّه لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ عَنْ بُعْدٍ .
      كانت هَذِهِ المَرَّةَ الأولَى مُنذُ سَنَواتٍ إِذْ يَسْمَعُ أَحَداً يُنادِيهِ بِكُنْيَتهِ الَّتي عُرِفَ بِها فِي بَلْدَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُهاجِرَ .. أَحَسَّ كَأَنَّ السُّوقَ هَدأَ مِنْ حَوْلِهِ إِلاَّ مِنَ النِّداءِ المُحَبَّبْ الَّذِي عَزَفَ عَلَى أَوْتارِ قَلْبِهِ فَدَّبَّ فِيهِ نَشَاطٌ عَجِيبٌ فَمَا عَادَ يَشْعُرُ بالحَرِّ الَّلاهِبِ والتَّعَبِ المُنْهِكِ ،... لا بُدَّ أَنَّ ذَلكَ الرَّجُلَ الأَنِيقَ هُو أَحَدُ سُكَّانِ بَلْدَتِهِ وَرُبَّما كان قَريباً لَهُ وَقَدْ عَرَفَهُ ولِذلكَ يُنادِيه .. ! ..عِنْدَمَا مَرَّتْ بِخَاطِرِهِ هَذِهِ الفِكْرَةُ اضْطَرَبَ وخَفَقَ قَلْبُهُ بسُرعَةٍ ، كَيفَ عَرفَهُ الرَّجُلُ وَهُوَ بِهذِهِ الهَيئةِ ؟ لَقَدْ تَغَيَّرَ فِي السَّنَواتِ المَاضِيَةِ ، سَمِنَ قَليلاً وَصَبَغَتْ الشَّمسُ وَجْهَهُ وأَحْرَقَتْ ذِراعَيْهِ وَلَطَّخَ الشَّيْبُ شَعْرَهُ الأَشْعَثْ . خَجِلَ مِنْ مَظْهَرِهِ وَهُوَ يُلْقِي نَظْرَةً سَريعَةً عَلى مَلابِسِهِ الرثَّةِ الَّتي رَسَمَ فِيها العَرَقُ خَرَائِطَ مِلْحٍ ، وآثارِ الخَضْراواتِ والتُّرابِ التي عَلِقَتْ بِها ، وشِبْهِ الْحِذاءِ الذِي يَنْتَعِلُهُ وَيَجُرُّه عَلى الأَرْضِ .. لا شَكَّ أَنَّ رَائِحَتَهُ كَذَلِكَ تَفُوحُ بِمَزِيجٍ مِنَ الأَرْضِ وَثِمَارِهَا المَعْجُونَةِ بِمَا اعْتَصَرَهُ الْقَيْظُ مِنْ بَدَنِهِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ السَّلَّةَ المُتَدَلِّيَةَ مِنْ مَنْكِبِهِ والخِرْقَةَ المَعَقُودَةَ عَلى جَبْهَتِهِ ... وازْدادَ تَرَدُّدُهُ ... لِكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُمْهِلْهُ وتَسَارَعَتْ خُطَاهُ نَحْوَهُ وَهُوَ يُتابِعُ النِّداءَ ... أَبَا عَبدُو .. يا أبا عبدو ..
      أَمَّا أبو عبدو فَقَدْ اتَّخَذَ قَراراً جَرِيئاً مُغَلِّباً عِزَّةَ نَفْسِهِ عَلَى خَجَلِهْ ، فَالعَمَلُ شَرَفٌ والفَقْرُ لا يَعِيبُ صَاحِبَهُ وخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُرَى حَمَّالاً فِي سُوقِ الخَضْراواتِ مِنْ أَنْ يُشَاهَدَ مُتَسَوِّلاً يَسْتَجْدي النَّاسَ عِنْدَ أَبْوابِ الْجَوامِعِ وَلْيَقُلْ أَهْلُ بَلْدَتِهِ مَا شاؤوا إِنْ وَصَلَهُمْ نَبَأُهُ.
      اتَّجَهَ أبو عبدو نَحْوَ الرَّجُلِ الأَنيقِ راسِماً عَلى وَجْهِهِ ابْتِسامَةَ تَرْحِيبٍ وَهُو يُحَدِّثُ نَفْسَهُ : .. لَيْسَ مِنَ الذَّوْقِ أَنْ أُعَانِقَهُ فَأُضَايِقَهُ بِرَائِحَتي وعَرَقِي وأُلَوِّثَ مَلابِسَهُ .. سَأَكْتَفي بالمُصافَحَةِ ...لا..! .. حَتَّى هذه لا حاجَةَ إِلَيْها فَيدايَ خَشِنَتان وليْسَتا نَظِيفَتَيْنِ ... سَيَشْعُرُ بِالتَقَزُّزِ ... وَلَكِنْ إِنْ لَمْ أَصافِحْهُ سَيَعْتَبِرُ ذَلِك سُوءَ أَدَبٍ مِنِّي وَيَعِيبُهُ عَلَيَّ ! .... عِنْدَ ذَلكَ كانَ الرَّجُلُ قَدْ وَصَلَ إِلى المَكانِ الذِي بَلَغَهُ أبو عبدو الَّذِي كانَ يَبْتَسِمُ لَهُ بِكُلِّ بَشَاشَةٍ وَعَيناهُ تَلْمَعانِ وَأَلْقَى السَّلَّةَ إلَى الخَلْفِ وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْه عَلَى اسْتِحْياءٍ وَبادَرَهُ مُسَلِّماً : أَهْلاً وَسَهْـــ .....ـلاً....... لَكِنَّ الرَّجُلَ الأَنيقَ ... الذِّي فاحَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ عِطْرِهِ الثَّمِينِ ... تَجاوَزَهُ إِلَى رَجُلٍ آَخَرَ كانَ خَلْفَ أَبي عبدو الحَمَّالْ الَّذي تَسَمَّرَ بُرْهَةً وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا يَتَعانَقانِ ... نَاسِياً يَدَهُ المَمْدُودَةَ ...... لِيَضَعَ فِيها ذَاكَ الأَنيقُ .... دِرْهَماً .



      ***************


      يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

    • #2
      من مواضيعي

        افتراضي

        ياااااااااه ، و من لك يا أبا عبدو الخضّار ؟
        لثوان ظننتَ أن الدنيا مقبلة إليك بعطرها و أناقتها ،
        ومددت أنت يدك مصافحا ، لكنها ، تلك المزينة كانت لغيرك ، فارض بما قسم الله لك من رزق و عرَق و جحود .

        قصة جعلتني أتأمل كثيرا في صروف هذا الحياة العجيبة .

        دمت مبدعا ، دكتور مازن .
        http://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=57594

      • #3
        من مواضيعي

          افتراضي

          المبدع الجميل / مازن لبابيدي

          قصة شائقة ماتعة ، صوّرت لنا مشهدا واقعيا دراميا بكلّ تفاصيله الحسية و المادية ، و كانت الصفعة ( قفلة النص ) مؤثرة جدا ، جعلتنا نتعاطف و نتأوه حسرة على حال البطل ، و موفقة إلى حد بعيد .

          سأرشحها لخوض غمار السباق .

          دمت متميزا ...

          إكليل من الزهر يغلف قلبك
          هشـام

        • #4
          من مواضيعي

            افتراضي

            الرائع / مازن لبابيدي

            لقطة رشيقة ، أنيقة ، صيغت بأسلوب سلس عذب ، وسرد موفق ، تابعنا فيها حالة أبو عبدو ، وشعرنا بعزة نفسه رغم فقره ، ثم تابعنا معه اللقاء الحميم الذي كان لغيره ، وكان نصيبه اشفاق في غير محله ..
            موقف بسيط يحمل ذكاء واضحاً ، رغم أنه ربما تكرر كثيراً ..مع كثيرين ..

            أعجبني في القصة سردها الهادئ الجميل
            أرشحها للماسية .

            أموتُ أقاومْ

          • #5
            من مواضيعي

              افتراضي

              بديعة ....
              أين عثرت على هذه اللوحة أيها الطبيب ...
              أهي علاقتك مع الأرواح المنهكة بآلام الجساد، أم أنها أذن تجيد الاستماع لآلام المعذبين، وسكبها في قوالب أدبية تحمل أشكالا بهذا الإبهار...؟
              دام نبض حرفك ابداعا

            • #6
              من مواضيعي

                افتراضي

                اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية بوغرارة مشاهدة المشاركة
                ياااااااااه ، و من لك يا أبا عبدو الخضّار ؟
                لثوان ظننتَ أن الدنيا مقبلة إليك بعطرها و أناقتها ،
                ومددت أنت يدك مصافحا ، لكنها ، تلك المزينة كانت لغيرك ، فارض بما قسم الله لك من رزق و عرَق و جحود .

                قصة جعلتني أتأمل كثيرا في صروف هذا الحياة العجيبة .

                دمت مبدعا ، دكتور مازن .
                أختي نادية ، شكراً لمرورك العطر وتعقيبك الحكيم .
                تحيتي وتقديري

              • #7
                من مواضيعي

                  افتراضي

                  لا تغضب أبا عبدو فأنت أياً كان عملك أو موقعك او حتي من لا يعرفك

                  فستظل أنت أبا عبدو

                  دمت مبدعاً
                  وما من كاتب الا سيفني ويبقي الدهر ما كتبت يداه
                  فلا تكتب بخطك غير شئٍ يسرك في القيامة ان تراه

                • #8
                  من مواضيعي

                    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
                    المبدع الجميل / مازن لبابيدي

                    قصة شائقة ماتعة ، صوّرت لنا مشهدا واقعيا دراميا بكلّ تفاصيله الحسية و المادية ، و كانت الصفعة ( قفلة النص ) مؤثرة جدا ، جعلتنا نتعاطف و نتأوه حسرة على حال البطل ، و موفقة إلى حد بعيد .

                    سأرشحها لخوض غمار السباق .

                    دمت متميزا ...

                    إكليل من الزهر يغلف قلبك
                    هشـام
                    الأخ الحبيب هشام
                    لا يكتمل السرور والرضا إلا بمرورك العطر
                    وصل إكليل الزهر وأنعش القلب .

                    مازن

                  • #9
                    من مواضيعي

                      افتراضي

                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      اخي الحبيب مازن رغم اني رأيتها في الكاميرا الخفية اقصد الفكرة إلا
                      انني بكيت اكثر من مرة وطرقتك الرائعة جعلتني مشدوها ومشدودا لها بشدة
                      و رحم الله ابو عبده حتى الحضن والسلام لم ينلهما في الدنيا حتى ولو من باب المجاملة
                      أحلام الفقراء وكأس الآغتراب واستحالة العيش في الوطن المشروخ مائل الميزان
                      لله درك فعلا ارشحها كما رشحها اخواني من قبل
                      جزاك الله خيرا اخي مازن واتحفنا بكل جديد لك فهذا هو الإبداع

                    • #10
                      من مواضيعي

                        افتراضي

                        اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
                        الرائع / مازن لبابيدي

                        لقطة رشيقة ، أنيقة ، صيغت بأسلوب سلس عذب ، وسرد موفق ، تابعنا فيها حالة أبو عبدو ، وشعرنا بعزة نفسه رغم فقره ، ثم تابعنا معه اللقاء الحميم الذي كان لغيره ، وكان نصيبه اشفاق في غير محله ..
                        موقف بسيط يحمل ذكاء واضحاً ، رغم أنه ربما تكرر كثيراً ..مع كثيرين ..

                        أعجبني في القصة سردها الهادئ الجميل
                        أرشحها للماسية .
                        أخي أحمد عيسى ، شكراً لمرورك السار وتحليلك المختصر القيم .
                        وشكراً لإطرائك الجميل وترشيحك للقصة ، وأرجو من كل قلبي أن تفوز القصة الأجدر بإعجاب الجميع .

                        مرحباً بك أخي أحمد وخالص مودتي

                      صفحة 1 من 7 1234567 الأخيرةالأخيرة

                      المواضيع المتشابهه

                      1. مسابقة: (القصة الماسية) شهر يناير2017م
                        بواسطة عباس العكري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
                        مشاركات: 20
                        آخر مشاركة: 04-02-2017, 11:50 PM
                      2. رويدك مازن أخا كريما ..تعزية للأخ الشاعر د مازن لبابيدي بوفاة والده
                        بواسطة جهاد إبراهيم درويش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
                        مشاركات: 22
                        آخر مشاركة: 11-10-2010, 12:48 AM
                      3. باركوا للأخ د. مازن لبابيدي لقصته الفائزة
                        بواسطة جهاد إبراهيم درويش في المنتدى الروَاقُ
                        مشاركات: 10
                        آخر مشاركة: 12-06-2010, 12:54 PM