قرأت النصّ النثري للرائعة أماني عواد الجميل الذي هذا رابطه
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=48677
وفقرات النصّ جعلتها باللون الأحمر والتعليق عليها بالأزرق
ولا يسعني إلا أن أشكرها وأن أثني على هذه المقدرة الأدبية الفذّة
--------------------------------------
أَنا
أَنا سَنَةٌ تَخْتَصرُ الأعْياد
ومِساحاتٌ أُفُقيّة
تَدْفِنُ الصَرْخَةَ بِطَمْيِّ التُرابِ
مقدّمةٌ قالت فيها كلّ شيء
ولم تكن مختصرة كما المقدمات الأخرى
واختيار كلمة سنه لها دلالتها لتدخلنا إلى النصّ من ناحية
ولتفيد العموم من ناحية أخرى
ثمّ تأتي الكاتبة لتضيف شمولية أخرى باستخدام كلمة مساحات
والمساحة مكان والسنة زمان فهي بذلك أحاطت النصّ بكلّ مقومات هذه الشمولية زمانا ومكانا
وعندما أقرأ كلمة " سنة " أعرف أنني أدخلُ إلى فترة من الزمن كانت أهمّ ملامحها الكآبة والحزن الألم
وربّ سائل يسأل وكيف عرفت ذلك ولمّا تتحدث الكاتبة عن هذه الملامح بعد فأقول أنّ الكاتبة استخدمت
الكلمة بذكاء وعلمٍ لأنّها لو أرادت غير ذلك لاستخدمت كلمة عام والفرق أن كلمة العام تستخدم إذا عمّ الخير
والسّنة إذا عمَّ غير ذلك .
ثمّ تأتي الجملة الاخيرة في المقدمة لتفتح عيوننا على ما سيكون في مستقبل السطور التالية
فتقول أن ما كتبته هنا هو صرخة ألم ولكن كلّ هذه المساحات الأفقية التي عبّرت فيها عن المكان
لم تستوعب هذه الصرخة فكان مآلها إلى التراب
وكلمتيّ الدفن والتراب أدّت الغرض المطلوب منها
وهو استهلال رائع لما بعده.
.
..رَحَى تَدورُ بِها الأَزْمانُ بِلَحَظاتِ جَفافٍ ماكِرةٍ
مَدينةُ الشُرودِ أَنا
أُلاحِقُ طَيْفَ الأَماني
بِرأسٍ وَأَعْقابِ أَقْدامٍ
هنا ذكاء واضح
فجملة تدورُ بها الأزمان كلّها حركة ومن طبع الزمان الحركة والتغيير
وما هي الأقدام التي يسير بها الزمان ..؟
إنها اللحظات وهذا توظيف رائع وذكي أيضا
وأمام هذه الحركة للزمان كان السّكون للرحى فهي واقفة تدور بها اللحظات ولا تملك من أمرها شيئا
أما تلك اللحظات التي تكوّنُ في مجملها الزمان فهي جافة غليظة وكذلك ماكرة
تخييلوا هذه الصورة أن هذه اللحظات التي تحمل الكاتية وتدور بها لا تدور برفق
بل وكأنها في كلّ حركة من حركاتها تكيد لها وتصفعها بغلظة
ولا يكون بعد ذلك إلا الشرود وليتها كانت طريقا من شرود لا بل زاد هذا الشّرود
ليصبح مدينة ليس لها نصيب من الأماني إلا الطيف وليس هذا فقط وحتى هذا الطيف المحال
شيئ لا يدرك فكلمة ألاحق تفيد أن هذا المُلاحِق لا يدرك ذلك المُلاحَق
ولو أنني أرى هنا بعض التناقض في السكون الذي وضعت الكاتبة نفسها فيه
والحركة التي توحيها كلمة ألاحق وربّما أجد لها عذرا إذ كان الحديث عن طيف
فيجوز أن يكون السكون في الجسد والحركة واللحاق بالأمل والروح والخيال..
.
أََنا… أُضْحوكَةُ المَواسِم
وَثَوْبُ عيدٍ اخْتَرَقَتْهُ رَصاصاتُ المُتَرَبِصينَ بِسَلّاتِ الفَرّحِ
... أُغْنِيَةٌ في زَمَنِ تَبَعْثُرِ الأَصْواتِ
عِنْدَ الشِّتاءِ, يُبَدِّدُ الرَعْدُ أَجْزاءَ حُنْجَرَتي
في الربيع تطغى أَصْواتُ فَرَحِ الطّيورِ عَلى شَجَني
وفي الصيف تُشْعِلُ الشَّمْسُ حَرائِقَ الكَلِماتِ المُتَجَمِدَةِ في الدُروبِ الشّائِكَةِ ما بَيْنَ الصَدْرِ وَاللسانِ
وبما أنها " السّنة " فالسّنة فصول ومواسم وأعياد
ولكنها وصلت بقسوتها هذه المواسم حدّ السخرية من الكاتبة مما يرفع رتبة الشّقاء
ولبست تلك الأعياد حلّة سوداء لم ترحمها رصاصات الغدر والمكر .
إلا أنّ الكاتبة لا تنسى نفسها من الأنوثة ومن الرّقة رغم ما رسمته تلك اللحظات
من الأشباح على وجهها فوصفت نفسها بالأغنية والأغنية كلمات وعزف وموسيقى
تأخذ بعيوننا إلى الأحلام الجميلة ولكن هيهات فقد وُئِدت هذه الأغنية على يدِ زمن جاهليّ جبار
يئدُ الأنوثة بقسوة ويحفر قبرها بفأس الرّعد قبل أن تولد في حنجرتها
وتناولها أيدِ السنة بكل فصولها
فما أن تنهي يد الشتاء صفعتها حتى يبادر الربيع بصفعها
بخنق صوتها عندما ترتفع أصوات الطيور فوق صوتها
ولو أنني هنا أعترض على إقحام كلّ الطيور في هذا الظلم فلو حدّدت الكاتبة نوعا معيينا من الطيور
كالجارح منها لكان ذلك أدقّ وأبلغ
ثم يأتي الصيف بألسنة حريقه ليحرق تلك الكلمات التي هي مكونات الأغنية كما ذكرتُ سابقا
والحريق يعني أن يصبح كل شيء رماد ودخان وهو التحول للصفات والإلغاء للإنسانية
وهذا الأكثر إيلاما
وأرى أن الكاتبة هنا جمعت بين الفصول الثلاثة هنا في هذه الفقرة
واستثنت الخريف وهذا يفتح الباب على مصراعيه لكثير من التساؤلات أبسطها لماذا ؟
وماذا تريد الكاتبة باستثنائها للخريف وهذه يدفعنا للولوج بقوة واندفاع وشغف للفقرة التالية
والتي يجب أن تكون فقرةً أخيرة في هذه المسرحية..
.
وَحْدَهُ الخَريفُ مَسْرَحي
وأُنْشودَتي تَتَشَبَثُ بأَذْيالِ زَوْبَعَةٍ تَعِدُها بِحَفْلَةِ إِصْغاءٍ
لِتَتَعالى في نِهايَةِ العَرْضِ ضَحَكات المُشاهِدينَ
يُصَفِقونَ عَلى طَريقَتِهِمْ
والهتاف صَفَعات
وَما مِنْ حَلٍّ سِوى التِحافِ سِتارَةِ المَسْرَحِ
تبدأ الكاتبة الرائعة أماني
فقرتها الأخيرة بجملة " وحده الخريف " وهذا استهلال واستدراك يطمئن القارئ
أنها تتفهم وتفهم تساؤلاته وانها ستجيب حالا عليها وقد أكدت كلمة " وحده " أنّ الكاتبة تعرف ما تريد
ولذلك خصصت للخريف هذه المساحة منفردة وكأنها هنا تريدُ وضع حدّ لهذه السخرية ولكن على مرآة من الجميع
فجلست في المنتصف ولم تنسَ أن تدعو حتى الظواهر الطبيعية لهذا الحفل ليكون شاهدا على هذا القتل
وليت ذلك قد شفع لها أو جعل دمعهم يسيل , فجاءت ردّة فعلهم أكثر قسوة عندما تعالت ضحكاتهم
فرحا بهذه النّهاية المؤلمة وأمام هكذا جمهور قد انعدم فيه الاحساس لا يكون من الضحية
إلا ان تؤثر أن تحجب عينيها عنهم بستار المسرح حتى لا تذبح بسكينهم مرتين
وأظنها ستسقط والستارة أرضا بعد ذلك وهذا مجرد توقع لما سيكون
وربما أنا كقارئ اردتُ أن يكون خريف هذه الفقرة أشدّ برودة
وأكثر وجعا وأن يصل الألم عنان السماء ثم يهوي على خشبة المسرح
....
كانت هذه محاولة لاقتحام نصّ رائع لكاتبة رائعة وجدتُ فيه الكثير من الإثارة لقلمي
واتمنى أن لا أكون قد أرهقت النصّ أكثر مما يحتمل إو أن أكون قد ابتعدتُ في فهمي
أو أن أكون أيضا قد قزّمتُ المعنى وكان التحليل دون بلاغة النصّ
فإذا كان كذلك فاعتبروه محاوله نقدية لا غير ..
..