.

غسان يعودُ إلى يافا
-----------------

(أبطال القصيدة غسان ورفيقته رفيقة .. ومستوطنة سكنت بيته)

أنا والحديقةُ والمقاعدُ

كلّنا كنّا على هذي التّلالِ

وكوخُ جدّي،

يا رفيقةُ تذكرينَ،

معًا نغنّي للمساءْ..

وعلى طريقتنا كأطفالٍ

نطيرُ معَ السّنونو

كلّما ضحكَ الفضاءْ

تلكَ التي تأتي إلينا

في الصّباحِ تزورنا

أينَ السّنونو لمْ تغدْ!!؟

- لا لم تعدْ،

واسْوَدَّ بعدَ غيابها

وجهُ الصّباحْ

- والكوخُ أذكرُ كمْ بكى

يومَ الرّحيلِ، وقدْ بكينا كلّنا

- لا زلتُ أذكرُ وجهَ أمّكَ

- وجهَ أمّي!!

كمْ أحنُّ لوجهِ أمّي كمْ أحنُّ لخبزِ أمّي

والمساءِ على يديها

والصّباحِ وحضنِ أمّي

لوْ أعودُ لدفئها

- غسّانُ ما بكَ يا رفيقَ الحلم

- والبئرُ العتيقةُ

فوقَها طوقٌ حديديٌّ

وحبلٌ كانَ يعزفُ كلّما

ظمئتْ عصافيرُ الحديقةْ- واله أذكرُ

- أذكرُ الأيامَ والأحداثَ والأشياءَ

والشّايَ المُعطّرَ في الشّتاءْ

ولستُ أنسى إذْ تهاوى

بعضُ سورِ البيتِ،

تذكرُ أمْ نسيتَ؟

- وكيفَ أنسى

إذْ نقشتُ اسمي معَ اسمكِ

فوقَ غصنٍ قدْ تدلّى فوقنا

- ويحَ الغصونِ إذِ افترقنا يومها

- وشجيرةُ التّينِ التي

كانتْ تظلّلُ حبّنا

كانتْ هناكَ بجانبِ السّور القديمِ

- هناكَ كانَ ربيعنا

- هيّا اصعدي

فوقَ السّفينةِ كيْ نجوبَ الذّكرياتِ

إليكِ يافا قادمونَ، إليكِ يافا

- غسّانُ مهلكَ واستمعْ

للبحرِ كيْ يُنبيكَ بعضًا

منْ حكاياتِ الغيابْ

- قلتُ اصعدي

يكفي مكوثًا تحتَ أضراسِ الغيابْ..

- أقولُ مهلًا لوْ تعي...

- أشتمُّ رائحةَ القواربِ

تحتَ أنفي، والدّكاكينِ القريبةِ

منْ هديرِ البحرِ

- يا غسّانُ لا..

- أشتمُّ فيكِ حديقتي

والمقعدَ الخشبيَّ قربَ البئرِ

يجمعنا معا

وأرى خلالَ عيونِ وجهكِ

كلَّ يافا، شطَّ يافا،

بحرها، وهضابها، والرّملَ،

والصّدفَ المبعثرَ والصّخورَ

أرى الكنيسة تشتكي

والجامعَ المهجورَ يبكي قصّتي

وأراكِ أنتِ رفيقتي

- غسّانُ مهلَكَ

فالخريفُ أطاحَ بالأوراقِ

واحترقَ الشّجرْ

والرّملُ لمْ يصمدْ أمامَ الموجِ

- لا..

سيري بنا فالشّوقُ عالي الموجِ

هيّا أسرعي

فأنا أشمُّ روائحَ الطّابونِ تعبقُ

كمْ أحنُّ لكلِّ ما في مخِّ رأسي

منْ صوَرْ

- أخشى عليكَ

منَ اغترابٍ مرّتينِ

فكلُّ شيءٍ قدْ تغيّر

مثلَ وجهي

- لا عليكِ

- قدْ اقتربنا

- أينَ نحنُ!؟

- لقدْ وصلنا

- أينَ!؟

أين!!؟

- ألمْ أقلْ منْ قبلُ

إنَّ البحرَ بدّلَ ثوبَهُ

والكوخَ غيّرَ لونَه

- والسّقفَ أصبحَ

أحمرَ اللونِ انظري!

- ماذا دهاكَ..

سقطّتَ؟

- لا وقعَ الفؤادُ على الرّصيفِ

- تعالَ نرجعُ للغيابِ

- السّورُ.. أينَ السّور؟

أينَ حجارةُ العشقِ القديمِ

- كفاكَ

- أينَ دفاتري، والبئرُ،

والطّابونُ، منْ قتلَ الشّجيرة؟

آآآآآهِ ما هذا الصّدى!؟

- يكفي رفيقي فلنعدْ

- منْ أنتما قالتْ

بصوتٍ أعجميٍّ

منْ بلادِ الرّوسِ تصرخُ

خلفَ نافذتي القديمةِ

لمْ يكنْ ذاكَ الزّجاجَ

ولا السّتائرَ

- منْ هناكَ تُعيدُ توجيهَ السّؤالِ

رأيتها شقراءَ في العشرينِ

لمْ تفهمْ حديثَ البرتقالِ

ولا غناءَ التّينِ للعصفورِ

قلتُ لها:

- أنا ساكنُ الكوخِ القديمِ

هنا تركتُ دفاتري

وهنا لعبتُ معَ الطّيورِ

ومقعدي كان...

- انصرفْ

- ماذا!!؟

- أقولُ لكَ انصرفْ..

قلتُ اسمعي همْسَ المكانِ

فقدْ تذكّرَ خطوتي

أنا صاحبُ السّور العتيقِ

- صهٍ..

أجابتْ.. يا إلهي كيفَ ذا؟

هي لمْ ترَ القلبَ الممزّقَ

في يديَّ ولمْ تعي الهمسَ الذي

جعلَ المآقي تستبيحُ سيولها

هي لم تشاهدْ طيفَ أمّي

حينَ مرّتْ منْ أمامي ههنا..

لمْ تسمعِ الأغصانَ والاوراقَ

حينَ جئنا كيف غنّتْ

- قمْ بنا غسّانُ

واحفظْ ماءَ دمعكَ

لا يليقُ بكَ السّقوطُ

ولا انفتاحُ الدّمعِ فيكَ

على الحقيقةِ..

هلْ فهمتَ الآنَ أوجاعَ الحقيقة؟

قمْ بنا فالبحرُ أرحمُ بالمسافرِ

منْ خفافيشِ الظّلامْ

- ألا تزالا ههنا؟

الصّوتُ عادَ مجدَدًا

كالرّعدِ حتّى لا أنامَ على

سريرِ تعلّقي بالحلمِ..

لو تدرينَ يا شقراءُ

معنى أنْ أمزّقَ مرّتينِ

وأنْ أصابَ بطلقتينِ

ولا أموتَ ولا أعيشَ

- كفى.. كفى.. هيا ارحلا

- قلتُ اهدئي

ودعي الأحبّة تستريحُ

على المقاعدِ لوْ لبعضِ الوقتِ

حتّى تستردَّ الرّوحُ روحي

- منْ تكونُ، ومنْ رفيقتكَ العجوزُ؟

- ألمْ أقلْ!

أنا صاحبُ السّورِ الذي

يومًا تهدّمَ بعضُهُ،

والبئرِ والطّابونِ..

- في أي البلادِ ولدّتَ

يا هذا الغريبْ.؟

- أنا!!؟

- نعمْ.. قالتْ

فقلتُ لها اخسئي

أنا ابنُ هذا البحرِ

قبلَ ولادةِ الريّحِ الغريبةِ

إنَّ هذي الأرضَ أمّي..

- أنتَ منْ!؟

قالتْ وغابتْ في ابتسامٍ ماكرٍ

- أنا إنْ دخلتُ الدّارَ

ضمّتني النّوافذُ والحوائطُ

والمساميرُ التي علّقتُ ثوبي فوقها

هيَ خلفَ هذا البابِ منْ

جهةِ اليمينِ

وفي الممرِّ بلاطةٌ مكسورةٌ

- غسّانُ يكفي

- ليسَ يكفي يا رفيقةُ

إنَّ لي في داخلِ الحجراتِ ظلّي،

صرختي لمّا وُلدّتُ،

ليَ الحصيرةُ والسّراجُ

وصوتُ أمّي كلَّ صبحٍ

كمْ أحنُّ لصوتِ أمّي..

والسّنونو...

فاسمعي!!!

صوتَ السّنونو..

صوتَ أمّي..!!

تسمعينْ!!؟

- أجلْ ولكنْ فلنغادرْ

- لا وربّي لنْ أغادرَ

لنْ أفارقَ صوتَ أمّي

لنْ أبيعَ البحر يومًا

لنْ أغادرَ مرّتينْ..

أنا لنْ أغادرَ مرّتينْ

------------
بقلم : رفعت زيتون
القدس \ يافا
26 \ 2\ 2013
..
[/CENTER]
[/RIGHT]
[/COLOR][/SIZE]