دراسة دون أوراق ... حُلمٌ بلا شهادة ~ في زمن الاضطهاد
حمدتُ الله كثيرا أني لم أولد منذ زمن بعيد ، وأتمنى ألاَّ أُكمل دورتي في الحياة فيكفي عيش التمني على ماء الحسرات، طفولة لم تكتمل بعدْ وفرحة لم تُعلن الرضا على مواطن الابتسامات، وطفرة عمرية صارخة دون إنذار بِمَعْدن الشباب ، يليها مسميات لا تخلُ من شوائب الاضطهاد الروحي العنيف ، ولدتُ أنا وولد معي وأخوتي الثمانية سيف الإعدام البطيء بحوافه الماسية التي لا تهاب النضوب، مؤلم ذلك الحدث عندما نستعير الابتسامة من أفواه الجرائد التي تحمل البؤس لنا ضربات جزاء ساخرة تتجدد بمعدل الساعات ، يليها رحلة يأس جديدة ويأتي بعدها البيان ، لا ينكر أحد مدى الفرحة التي يعيشها في أول عام دراسي مهما كان مستواه، أحكي أنا بالنيابة عني وعن كل تلك الأرواح التي عاشت تحت مُسمى " الـ....... " ، أظن الكثير هنا يجهلها أو لم يسمع بها بعد، رغم حروفها الأربع فهي تحمل بكل طيَّةِ حرف اسمٌ كاملٌ من منابع الدمار النفسي المميت ، فيها ظُلمٌ وتفريق ، فيها قهر وإذلال ، وفروعها الباقية لا تُعد ولا تُحصى ، لكن كل الأمور يُهان جدا مسايرتها إلا طريق العلم عندما تُسدُّ أبوابه ، ففي عمر الطفولة الحالمة قضيت سنتين دراسيتين في مرحلة الابتدائية وكانت شبه مستقرة ، بعدها بدأ ناقوس تهجير الأنفس في الخفقان ، لقد عُزِلنا في حيٍّ يفتقر للتربة الندية غير أشواك الإساءة والصخور القاسية، فوضى وأخبار متضاربة ، لم تعد هذه السنة كما كانت عليه السنين السابقة ، قفزنا من إطار الطابع المدرسي إلى محيط آخر بعيدا عن الكتب والواجبات المدرسية ، نترقب آخر الأخبار التي تحيط هذه الفئة بشتى جوانبها ، أعددنا دراسة جديدة لم يجرؤ التاريخ حتى على نفضِ غبار أنينها ، كان المسموح لنا بالثانوية العامة لا غيرها، هذا أمر مكتوب وسُبق تنفيذه ، مما يجعل العقل يسير في نطاق مغلق بعيدا عن فضاء المعرفة، ويأسٍ مرسوم بريشة القهر، واقع يمكن لمسه لكن جعلوا منه أحلام شفافة يصعب حتى السرحان بها، رغم ذلك أرى الكثير من روَّاد جيلي يملكون أملاً هز الجبال سبعا وسبعا، عن نفسي أنا كنت أحلم بأن أدخل عالم الطب وأمارس الإنسانية لأبعد الحدود لكن تناقَصَ هذا الحلم لأًنْ أبلغ حلم آخر لكن أقل بكثير فأحببت بذلك التمريض لكن أيضا الطرق مسدودة، لا محالة، انتهت الثانوية بسلام وفرحة نجاح لم تكتمل لنهاية مدروسة من قبل ولادتي بعقود، كنت ساعة الخبر أساند أمي في أحد أعمال البيت ،جاء أخي فرحا يزف بشرى نجاحي وبنسبة ميسورة ليست بالعالية ، التفتُ إليه وضحكت بقهر وماذا بعد النجاح ، أوَ ليست آخر سنين العمر سيرا وأعيد بعدها ترتيب كتبي إلى حيث أدراجها ، حُلمٌ قد دفنته منذ بزوغ ذلك الميلاد المعدوم ، ها هم سبقوني وبلَّغوني تلك البشرى أيضا، وهذا ما أثار الألم في نفسي هو التفكير بحالهم مرورا برحلة القهر المتدفق على ناصيتي الآمال الكاذبة التي يحركها غافلو القلب والضمير، بدأت بعدها صباح جديد خالي من صفير اللوم ، كنت أصحو مع أول منادي للفجر كما تعودت على منوال مدرستي المتغربة، جمعت كل كتبي في صندوق كبير ربما احتاجها أحد أخوتي عندما يبلغ اليأس كأختهم الكبرى ، أبدأ نهاري بتقليب جريدة الصباح على جمار الأماني المترملة ، ... أوه هذه قُبِلت بالكلية التي طالما حلمت بها ؛ لكن نسبتها أقل مني بكثير؛ أممممممم سأرى ما هي متطلباتهم ؛ قرأت النقطة الأولى في أعلى البند ، آه فهمت ؛ لسنا نحن المقصودين ،قلبت الثانية والثالثة وحتى الأخيرة،بقيت أتأمل الأسماء إلى أن رفعت رأسي للسماء،بدأ ناقوس الحلم بالخفقان، رأيت نفسي بالمكان الذي تمنيت ،أريد أن أبلغ مرادي كما أردت وأتخرج بسن صغيرة وأخوض بعدها دوري في الحياة ،... دون أن أدرك قلَّبتُ صفحات حُلمي سريعا في فجر أزرق لكن سرعان ما أحاطتني دموع الحسرات مياهٌ تجرى إلى أراضي قحلها،وإذا بأبي قادما : دعِ الأمر لله ابنتي ، فلستِ أكثر حظا ممن سبقكِ ، إنها أقدار، ..."الله كريم"، قضيت بعدها ستة سنوات في أرجاء مدينتي، كلما أتت سنة تباطأت نفسي لهفة للتعلم، فقدت الكثير من كتبي التي كنت أحملها بين طيَّات غرفتي ، فالسنين كفيلة بالضياع لأمثالي، كنت أقضي أيامي صامتة بعينان دامعتان تتأملان الوجود بشتى الزوايا ، أرسم الحياة في عيني جميلة أحاول فيها أن أعطي كل روح حقها دون تفريق بل أناديهم باسمٌ واحد .. أيها الناس، آه، مؤلم أن أنتزع من شريط عمري سنين طوال تمنيت أن أوظفها طلبا لأعلى منافذ العلم تجولا في شهاداتي الذائبة على شواطئ رحلتي، لكنه القانون المقلوب،وأيدينا مكبلة،... الأن أشتم رائحة دراسة محلقة هناك في مأوى ليس بالبعيد من هنا، لكن شرايين قلبي لم تعد بمقدرة على تحَمُّل حروف من كتب أخرى أتت بعدما رحل قطار لهفتي وشباب طلبي ، نسيت كتاب التاريخ وأنا من خلقه من دمي فلي به نصيب كبير، أما القواعد فلم أعد أذكر أنها مرت بقيثار حصتي رغم تفوقي فيها، لا أتذكر إلا اسمي الذي أشك بأنه ملكي أحيانا ، جمعت كل أوراقي المتشتتة محاولةً أن أغتنم شيء يثبت صحة انتسابي لهذه البلدة دون رقم يبرز بصماتي المختنقة، إنها جامعة من روح عربية ليس كسابقاتها ، فلا داعي لأصل وفصل ولا حتى انتهاءٍ لشهادة، قد دخلتها مجبورة ليس برضائي ، لم أحمل فرحة قبولي إلا بمباركات صارخة ترتدي دثار اللامبالاة ، دخلتها وأنا آية من اليأس ، أحاول فيها أن أبني لي سورة من الأمل وأحرق كاحل الأيام الماضية ، أريد أن أنسى مظالم قريتي وأبني بوابتي كما تمنيت وأجعل منها مدائن للأحلام الصادقة تفسيرا لرؤياي المتعذبة، ... أوه واجبات أخرى لكن بنطاق أكبر مما اعتدت عليه من قبل، قضيت سنة بعدها وتركت البقية لغيري لم أعد أطيق هذه الدراسة لم تكن ما كنت أهواه وأطمح إليه، ... شرود روحي لأبعد الحدود ، ابتعدت قليلا عن الواقع المر وخضت أطيافاً شفافة بحثا عن فارس الأحلام القادم من الضباب ، أتأمله في السماء بين النجوم وعلى جبين القمر، أرسمه في حنايا الوجود وأتخيله من أي القرى سيكون، لكن سرعان ما انقطع شريط الحلم وتناثرت ألوانه لتبرز قوس البداية من جديد ، مازلنا نعيش على محطة الأخبار وقنوات الاتصال ، أختي الرابعة وحظ موفق في لحظة تدفق الدم في عروقنا الميتة من قلم رقَّ قلبه على أحضان لطماء الفرحة والألوان، فتحت تلك الديار أبوابها لاستقبال ضحايا دمارها الذي امتد عمرة بعد تلك الكارثة بستة عشر حولا ، سعيت أنا ومن سبقني من الأحلام الساردة إلى حيث ورقة البيان ، لكنه العمر ياقلبي وبقايا رفات شهادات زيَّفتها السنين لِطَمس سعي بات ذكره مستحيلا في غيابات النجوم ، عنوسة روحية سارية المفعول مدى الساعات ويأس تام بقافية الشرود، وتفعيلاتٌ جديدة لم يشهدها حتى عصر الشِّعر الحجري، ومع ذلك لم يبقَ الباب مفتوحا كما عهده الحراس بمدائن السفور، بل أعلنوا كلمتهم من أعلى منابر قصور سلطتهم، وجعلو من قلوبنا حجارة شُرِّع رجمها حتى الميعاد، قُفل باب الدخول وأعدّوا منافذا للخروج ظناً منهم بارتكاب خطيئة لا يُجزون من وراءها أجراً أبداً ، لقد عادوا لأدراج قوائم شروطهم اللا رحمانية وحرقوا تلك العهود المائية، وتبقى الإجابة تحوم في قُعر أحافير أغرقتها تآويل السنين المتلعثمة بوحا سفيها من أطلال الجمود ، الكل يسأل عن آخر الأخبار بكل لهفة لمعرفة آخر نقطة من حبر التبعثر، لكن لا إجابة ....، ويبقى الحال ما هو عليه،شرود روحي طويل الأمد ، سفر صارخ لما بعد السماء ، انتحارات متتالية ، تباريق شاخصة ، شموع متكاسلة ، وأعياد باكية لذكرى ميتة لم تتم أسبوعها الأول بفراش مولدها الذي وئدت عليه لتنزف دماء ملونة من شدة العذاب وتعدد الأسقام ، .... ، اتصال هاتفي قارع لمجاديف السرد المتسلسل لبلاغ كاذب عن دراسة مرتبكة من فوضى المقاعد التي فقدت أصحابها ، مواعيد زائفة تتقن ضرب الأجراس عند انتهاء محاضرة الدكاترة ، أوراق أضاعت طريق مستنداتها وأصرت على التحليق في طبقات السماء رابطة أطرافها بالقدر الذي أعده الله تعالى لروح شربت الألم ولعقت مُرَّه على عتبات السنين ومازالوا ينادونها بالصغيرة ، لقد كبر القلب وامتلئ هموم ليضخ القهر ويخفق الصبر المجبور، سأكمل نصي بنقاط سوداء حتى يتسنى لي التنفس وتأتيني الأيام بما كنت أتمناه وأرجوه ، ومهما تعاظمت بنا الآلام والأوجاع فهناك بالناصية الأخرى من فقد الكثير و الكثير، اللهم أسألك الرضا والصبر والعفو العافية ، اللهم فرج كرب المكروبين ، وألهمنا جنتك التي هي مرادنا ، ربما غدا أو بعد غد سيأتي البيان ، .................................................. .................................................. .................................................. .................................................. .................................................. ......... .
تحياتي لسيد قلبي شكرا له ، من بعث الحب لي أودية وأغرقني في أنهار الود وحنينه ، هنيئا له أينما كان وكنا
أشكرك كثيرا يا باعث الأمل لي بعد انقطاع شريانه من نجوى هتافاتي التائهة،

أشكرك محمد الحريري
.................................................. ...........
وللحديث بقية بعد بزوغ حقيقية مدفونة
***
تحياتي
شاطئ سلام