عرفت أن السعادة تتنفس اختناق لحظات المغادرة وجلست أرقبها دون أن أحرك ساكنا كالمغلوب على أمره ، كالعاجز الذي لا يملك زمام اللحظة ، كالمقهور الذي يضرب الرمل فلا يجني سوى الغبار المتطاير !
ومع هذا كان البكاء رفيق الدرب وقيثارة الحزن في ليل السهد ، توقفت عند قارعة الطريق أخشى النظر إلى الوراء ، أخشى الذكريات التي تؤرخ الأيام الماضية ، كانت الحيرة تسكن أنفاسي ونبضي يستوطنه ذاك الذي رحل ويومي يقتات ثوانيه من بقايا عطره الذي ترك .
كنتُ كزجاجة تطفو على ذاك اليم تطلب الغرق ، تعبث بها الريح ، يبتلعها الموج تارة حتى تظن الهلاك لتعود إلى السطح وقد ذاقت غصة الموت ، يتقاذفها القدر وتعزفها الطبيعة في هبوط وصعود لتدركها السماء فيضا من رحماتها ، اختلط الأمر وغلب الحزن ، الجمع في شغل ٍ كل ٌ يبثُ السحاب همّه حتى يتدثر الكون بسواده ليسقط كل شيء دون هوادة وأظل حبيسة مكاني بين مد وجزر ، يؤنس ليلي صوت حضوره الذي كان حتى يغالبني النعاس بين أحضانه فأتدثر الأمل وقد واريته الثرى ذات صبح عقيم ، خياله الذي رحل أعيشه حلما على صدر الغدر الذي رسم الفراق ، مصلوبة هناك تجتث شغاف تجاويفها أملاح ذاك الغرق ، استسلمت لقدرها وارتضت الرحيل .


ذات صحوة :


أدركت أن لا وجود لشيء سوى صفحة السماء التي أراها كل يوم ،أدركني الغرق ، لم أصرخ ، لم أطلب نجدة ، أردت أن يكون لي حقٌ في الموت بسلام بين راحتيك ، أردت أن يكون آخر عهدي صوتي الباكي داخل صدرك .