سعيد وسلمي والصغيرالسواد يزحف على كل شيء…
(1) سعيد
يزحف يقتحم أثاث المنزل
ويداهم جدران البيت البيضاء
عروقه تنبض في عنف…
يداه ترتجفان وهو يسند بهما رأسه ، يهتز الرأس مع اهتزاز يديه وتهتز الدنيا معهما
اليوم زفافها …
اليوم نهاية العالم عند سعيد
اليوم تنتهي رحلة العذاب اللذيذ ويبدأ الجزء القاتل
كانت لا تحس به
لا تدرك النيران التي تحترق في فؤاده شوقاً إليها
يفقد شجاعته عندها تماماً
لا يستطيع الكلام …
يشل لسانه ويكتفي بمراقبتها من شباك غرفته
وهي تدخل باب العمارة بخطواتها الرشيقة
آهٍ يا سلمى
آه لو تدركين ماذا يعتمل بقلب مسكين
لو أعلم فقط أنها تحبني … لأقتحم العرس وأخطفها رغم العالم كله …
ولكنه أرسل لها رسالتين مع أخيه الصغير
لماذا لم ترد ؟
لماذا لم تجبه ولو بكلمة لا ؟… لا أريدك
ودخل أخوه الصغير يرمقه باستغراب وقال:
- سلمي تبلغك تحياتها وتقول لك:
"هل بلغتك الرسالة" ؟
بلغتني الرسالة يا سلمى …
بلغني أنك لم تحبيني يوماً …
وصلت رسالتك الشفوية من دون كلام …
- اغرب عن وجهي … اتركني …
وابتعد الصغير خائفاً من ثورة سعيد
وسعيد يتهاوى على أقرب مقعد …
والدنيا تبدو ضخمة من خلف غشاء الدمع المتهاوي خلسة …
أعضاؤه تتضاءل تتضاءل …
تتلاشى …
لم يبقَ إلا قلب ينبض في قوة ينتظر ساعة صفر كي ينفجر …
(2) سلمىتذرع الغرفة جيئة وذهاباً
تنتظر أن يأتي في آخر لحظة كي ينقذها من موتٍ قادم …
الدموع تتساقط في صمت …
والقلب يقول :
أين أنت يا من سكنتني وخيّمت فيَّ … أين أنت مما يحدث لي الآن …
إنها تحبه …
تحبه بكل سكناتها وهمساتها …
تحبه لأخلاقه …
لطيبة قلبه … لحيائه الشديد … لرجولته
تحبه لأنه هو …
ولكن كيف يفهم … كيف …
لقد شكت للحظة أنه يحبها من تحديقه بها كلما رآها
نظرة خاوية قد لا تحمل شيئاً وقد تحمل كل شيء …
وقد تعني أنه لا يزال يتمسك بوعده الذي قطعه منذ كان بعد طفلاً يلعب معها دون قيود ودون حواجز … ويصرخ دائماً … أنت لي … وسأطلبك من والدك …
وفي خطوة جريئة أرسلت له رسالة تلمح له فيها أنها لا زالت على عهدها …
ولا رد إلى الآن
أين أنت أيها الصغير لتبلغني الرد …؟
- سلمى … أهل العريس بدءوا يتوافدون …
البسي ملابسك واخرجي لاستقبالهم …
- سأخرج يا أماه
سأخرج وليفهم أو لا يفهم … لقد انتهت حياتي يوم زفافي هذا … وليحدث ما يحدث
فلن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها …
قالتها
وانهمرت دموعها مدراراً
وفستان الزفاف الأبيض يلتمع من خلف باب الدولاب المفتوح …
الفستان يزداد سواداً …
أكثر فأكثر
اسود الفستان …
وانهارت لغة العيش والسعادة في المكان
(3) الصغيرعلى سطح العمارة يقف
بملامحه الطفولية وبراءته الفطرية
يرمق طيارته الورقية بإعجاب لا متناهي
ما أجملها زاهية الألوان
ترتفع الطيارة في البحر الأزرق الهائل الذي يتناثر في الأعلى
والرياح تداعبها في رقة
ثم تتجهم ملامحه في سرعة وتقلب مضحك
- هذه آخر ورقة جميلة تعطيني إياها (سلمي)
لا أعرف لماذا توقف أخي عن إعطائي هذه الأوراق الملونة …
الذعر يبدو على ملامحه وطيارته تنقلب بغتة
تعود الطيارة لوضعها الطبيعي
فتعود الابتسامة إلى شفتيه الصغيرتين
والورد يتألق على طيارة الصغير
واسم سلمى يلتمع بذيل الصفحة
كلمات العشق الطائرة تغني أبشع ألحان
طيري يا طيارة طيري …
واسرقي عذرية المكان …
********************************
أبوفارس
قصتي الاولى التي تنشر في جريدة محلية ووضعتها هنا كما هي
مارس 2000