مونولوج..
" ملعونة.. المازني كان على حق.. سيارة ملعونة.. لماذا تختار لي هذا الوقت .. لا! الذنب ليس ذنبها هذه المرة.. ما دخل العجلة في المحرك؟ هذا من سوء حظي.. بل من سوء تصرفي.. لماذا لم أترك عجلة الاحتياط عند العجلاتي ليصلحها ؟ خطأ مني أنا.. نعم! لعنة الله على التهاون.. و لكن ما باليد حيلة.. المشاغل..المشاكل.. الالتزامات التي تنزل علي كالمطر.. و لا أعلم لماذا ؟ و كأنني الوحيد الذي تعرفه الأيام لتنغص هدوءه و استقراره..بل الوحيد.. لا أظن أن هناك واحدا مثلي .. على الأقل من الذين أعرفهم.. سوء الطالع..
" دعني الآن من هذا الهراء .. و لأفكر في مخرج مما أنا فيه!.. و لكن.. كيف؟ ما من عجلاتي يفتح في هذا الوقت المبكر من النهار.. لا بد من حل.. و إلا حدث شيء ما.. هل تتصور يا ..من لا أدري كيف أسميك.. يا منحوس.. يا ملحوس.. يا مكحوس.. ما سيحدث؟ مصيبة.. مصيبة ستنزل على رأسي إن تأخرت عن الموعد.. وعدت مساء أمس حماتي بنقلها إلى مشفى العاصمة .. و ليتني لم أربط نفسي بوعد معها.. ورطة.. و مع من! و ليتها تفهم أن السيارة مثل الإنسان.. تعتل من حين لآخر.. مثلها هي.. بل هي مهووسة..تختلق الوجع .. تعيش في مرض دائم معشش في وهمها.. بل تحيا في رحم الوجع.. لا يمر أسبوع دون أن تزور طبيبا.. و لكن اذهب و قل لها هذا الكلام.. ثم من أين لها أن تفهم.. رأسها كالصخرة الصماء.. أكثر المحامين حنكة و أسلطهم لسانا..لن يصمد لحظة، أمام انجراف لسانها.. سوء الطالع!
" يا رب ! ألهمني بحل! صحيح.. أنا مغفل!.. لماذا لا أذهب عند بن دحمان جارنا؟ عجلات سيارته من نفس قياس عجلات سيارتي.. هو هذا بعينه..و لكن.. هل يعقل أن أطرق بابه في مثل هذا الوقت؟ ماذا سيقول عني؟ ماذا سيقول!؟ لاشيء! لا شك أنه وقع في مأزق هو الآخر ذات مرة .. و لا شك أنه طلب معونة أحد.. نعم.. سأذهب عنده.. سوف لن يردني.. سيتذكر أنه وقع ذات يوم في مشكلة مثلي... و سيعطيني عن طيب خاطر، العجلة.. و ينتهي الأمر.. ينتهي الأمر.. ينتهي الأمر! و إذا رفض؟ و لماذا يرفض؟ ليس هناك بيننا أي خلاف.. إلا إذا كان العراك الذي دار بين ابني و ابنه عندما كانا زميلين في المدرسة الابتدائية، بسبب ابنة الجيران .. شيء مضحك.. كانا يتعاركان مثل دجاجتين من أجل أن يظفر المنتصر بمرافقتها إلى البيت.. و في نهاية المطاف عادت الفتاة إلى البيت وحدها دون مرافقة أحد منهما ، لأن عين مدير المدرسة وقعت عليهما فعاقبهما بحجزهما في مكتبه إلى أن ذهبنا أنا و هو إلى مكتب المدير و أخرجناهما مذلولين، و هما في حالة يرثى لها.. و كان كل واحد منا يشير بأصبع الاتهام للآخر و يبرئ ساحة ابنه.. و قد خرجنا من مكتب المدير دون يكون لكلام المدير أي تأثير على نظراتنا التي كانت تتراشق بشتى النعوت و الألقاب .. أيكون محتفظا بهذه الحادثة في رأسه إلى اليوم؟ قد مضى على الحادثة سنوات، و الأولاد كبروا و صاروا أصدقاء.. و هل مثل هذا الحادث الذي طوي منذ سنوات يستطيع أن يثور من جديد .. و في ساعة من ساعات النهار المباركة؟ لا أعتقد.. هو يبدو على كل حال..طيب.. لم أر منه مكروها.. و لكن مع ذلك، الأمر وارد.. ثم إذا فتح الباب و نظر إلي نظرته البلهاء تلك، و قال لي : لك وجه تنعته أمامي! يا للعار! لو يقول لي ذلك.. باستطاعتي أن أشج رأسه بهذه الأداة..و لكن هذا سابق لأوانه.. علي أولا أن أطرق بابه، و أنتظر ماذا يصدر عنه.. هذا هو الرأي السديد..
" يا رب.. ألهمني.. و لا تجعله يردني! لا! لن يردني! ثم ماذا هناك إذا ردني ؟!.. سأبلع الإهانة كما أبلع كل يوم حماقات حماتي..
" طق.. طق.. لا أحد.. لا أسمع وقع الأقدام.. طق..طق.. ها أنا أسمع حركة في رواق الشقة.. هو آت.. و لكن لماذا لا يفتح الباب؟ هل علي أن أعيد الطرق مرة أخرى؟.. ماذا يظن نفسه!؟.. أركع له؟.. أستجديه؟.. هي عجلة تدور .. ليس إلا.. آه.. فتح الباب أخيرا !
" فتحت الباب أخيرا.. اسمع يا بن دحمان ! لا تقل لي شيئا .. لا أريد أن أسمع منك كلمة.. فأنا أعرفك .. و أعرف ما تفكر فيه.. أما عجلتك..فكلها! ابلعها! لم أعد في حاجة إليها..أما حماتي..يأتيني منها خبر يسر..إن شاء الله!!

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي