خاطرة الكلام و السلام



الحديث مع الأصدقاء في جلسة حميمية حول فنجان قهوة بمكان هادئ، و ليكن مقهى على كورنيش ، ليس مثله أحلى و لا أجمل. الكلام يجر الكلام، ننهش من كل المواضيع، و ننتقل من محطة لمحطة، و لا شيء يمنع ، لا "فيزا" و لا شرطة حدود و لا جمارك، ذلك هو قانون الجلسات الحميمية.
كلام يجرّ كلاما، نلبس الألفاظ ما لا تطيق أحيانا، بحثا عن متع الخيال الجامح، تماما مثل ذلك الجندي الجديد الذي يمتحنه قائده بارتداء كل ما تحويه خزانته من ملابس و أحذية، ثم يأمره بأن يؤدي أعمالا مجهدة ، و لتكن مثلا، جمع أوراق الأشجار المتناثرة في ساحة العلم و الليل قد أرخى جلابيبه، كل ذلك بغية الوصول بالجندي "الأزرق" إلى لحظة الانهيار التي تجلب لزملائه من الأقدمين متعة و نشوة لا حدود لها، و تكسب الجندي مزيدا من الصلابة و قوة في التحمّل، و لعل ذلك هو جوهر التدريب العسكري و هدفه الأسمى.

كلام يجرّ كلاما، و عقد الصحب لا يحيا بشح الحناجر، ممنوع إقامة الحواجز و الحدود للمواليد الجدد الذين يخرجون إلى الدنيا مجرّدين من النوايا المبيتة أو المغرضة. كلمات تلد كلمات، تتصادم في معترك الحياة، تهزم تارة و تهزم أخرى، تماما كالرجال الشرفاء، يتنافسون من أجل اعتلاء مركز الريادة الذي لا يتسع لأكثر من واحد، و لا شيء يمنع التنافس ، كما انه لا شيء يمنع الطموح، فكلاهما مشروعان و بدونهما لا يستقيم للحياة عودها.

كلام يجرّ كلاما، و حلاوة الكلام لا تعدلها حلاوة، نستسيغها و نلوكها كما يلوك الصبي قطعة من الحلوى التي يكتشف توّا مذاقها الجديد ، و تصوّروا كيف يتشبث بها و يحجز عليها بكل أنانيته المتسلطة.

كلام يجر كلاما، و الكلام يجر شجارا و الشجار يجر صداما و الصدام يجر عداوة و العداوة تجر دمارا و الدمار يقتل السلام و السلام لا يحييه غير الكلام! و تنتهي الأشياء بما بدأت به، كأنما البداية و النهاية شيء واحد لا اثنان. و كأني بك تقول بعد هذا:" إن أردت نشر السلام فما عليك سوى بسط كاف الكلام أو نشرها، فليس هناك أسهل و لا أبسط من هذا الحل السحري!

و يتفرّق الأصحاب و قد أدلى كل واحد بدلوه و أفرغ ما تراكم عنده من هموم ظانا أنه أراح نفسه قليلا بإلقاء ما أنقض رأسه، و لكنه ينسى أنه وهو يفرغ وعاءه إنما يملأه بما يطرحه الآخرون، و هكذا تجري الحياة، هدم و بناء، تجدد و تقدم باستمرار، فيا سلام على الكلام، و يا سلام يا كلام، و يا كلام يا سلام!