السيّاب .. البيّاتي .. قبّاني

...............

بدر شاكر السياب

ما زالَ هنالك خلفَ التلِ الرمليِّ
يداعبُ أوتارَ الماءِ ووجه العشبِ
كذلك أمي الثكلى جيكورْ
جالسةً في الباحة
تنفخُ في جوفِ التنورْ
وتقلبُ أرغفةَ الخبزْ
ما زالَ النهرُ وأمي
ينتظران رجوعي للبيتْ
من قال بأن النخلةَ عطْشى
فالماء من الغدقِ يفورْ
والبصرةُ ما زالتْ
تتصدقُ بالتمرِ وبالزيتْ
يا ليتَ بإمكاني أنْ أنهضْ
من هذا اللحدْ
لكنَّ الكفنَ الأبيضْ
لم يتفتقْ بعدْ
عن هذا الجسد المحمومْ
يا ليتَ بإمكاني أن أرجعَ للبيتْ
لأقبلَ أمي.... يا ليتْ
وأعدُ فوقَ أصابعها
أزهارَ بُويبْ
وأداعبُ في مخملها الأزرقْ
أقماراً ونجومْ
تسكبُ فضتها
في صحن بويبْ
هذا هو ماؤك
يا جدي الطاعن بالزنبقْ
مذْ قيل لسومرَ كنْ
أول من يخرج من ظهرِ الغيبْ
وخرجنا، نحرسُ هذا الكونْ
نقرأُ فاتحة التشكيل
ونرتبُ فوضى اللونْ

عبد الوهاب البياتي

لي ما أريدُ وأشتهي
بستانُ عائشةٍ وزهرُ الجلنارِ على سياجِ دمي
أضاءَ حديقتي رمانُها، في الليلِ
يخرجُ عن حدودِ أصابعي
ويعودُ منتشياً ويهبطُ في يدي
حتى إذا لمستهُ ثانيةً يفورُ ويزدهي
ويطارحُ الأشجارَ بوحُ الرعشةِ الأولى
كحلمةِ نهدِ طائشةٍ تُداري بالزهورِ بلوغَها
هذي البداية سرمدٌ لا ينتهي
خُذْ ما تراهُ ودعْ هبائي في عراءِ مدينتي
لو كان لي وطنٌ لأحطُمَ في مداخله
صليبَ تسكعي وأعودُ
أطلقُ في الشوارعِ مهرةَ البوحِ الجديدة
لا بأس سيدتي، أباريقي مهشمةٌ
وطيني السومري يعيدُ خمرَ الكأسِ أكثرَ لذةً
وليَ الترابُ وعشبةُ النهرين
من هذا الرحيق سلافتي سأسوغها
لفمٍ مريضٍ ليس إلاّها يحبُ ويشتهي
بيني وبينك وجهُهَا
قمرٌ توهجَ فوقَ شباك القصيدة
وهي التي رفعتْ مثلثنا المضيء
كزهرة العبّاد يصعدُ
بين " شيرازٍ" وبغدادَ البعيدة
وهي التي عثرتْ عليَّ
ونخلها العالي يُظللُ بهجتي
من بعد أنْ ضيعتُ في طرق المنافي لهجتي
عادتْ وعدتُ ولا خساراتٍ
سوى أنّي فقدتُ تشابهي

نزار قباني

منذ سبعين سنة
وخريفين وصيفٍ طائشٍ حدّ القطيعة
منذ أمي نظفتني من طقوس الكهنة
وتشربت تعاليمَ الدعاةِ المجنة
أمرؤ القيسِ وبشار وشيخي ابن ربيعةً
منذ أن كنت، وكنتِ وردةَ الله الوحيدة
لم أنمْ إلاّ وفيَ نبضي القصيدة
منذ أن خرّجتُ من معطف روحي
ضوءها العالي وأسرجت خيولي
كي أتم المتبقي من فتوحي
لم أنم إلا إذا هدهدني ردف ونهدُ
في سريرِ الشهوات المزمنة
هوذا ميراث أجدادي على الأرض السعيدة
شهواتٌ وقصيدة
وعصافير دمشقيةُ. في الأفق رصاصٌ
وعلى الأرضِ شباك الخونة
آه أمي يا كتابي ونشيدي
دثريني من شتاءٍ طائشٍ أطلق جمري
في بساتين نسائي الراعشةِ
وحدها خارج هذا السرب تبكي وتغني
أجمل النسوة أختي عائشة
آه أمي يا هوى يتبعه سيف الخديعة
طائر غافلهم شق فؤادي واختبأ
أيها الهدهد لا ريشَ على جنحيك لا قمح بمنقارك
اذهبْ واستعدْ ما سلبت منك الطبيعة
ثم عدْ لي بالنبأ
ترى هل نهضت بلقيسُ من أرض سبأ
باطلٌ كل سواها
وأنا لست أرى في الكون إلاّها
أنا الضدين في الأرض المطيعة
كلما أمطرت الدنيا
تموجُ الأرضُ جوعاً وظمأ
وصل الطوفان أعلى ذروة
وإنائي ما امتلأ