خيول من ورق
أحمد حسين أحمد

1
من هنا مرّت خيولي ذات صبحٍ
فتلقّفتُ خيوط الضوء، فانسلَّ الصباح
فإذا بالزهرةِ الإكليلِ تحملها الرياح
ترصفُ الإسفنجَ في قلبي على مرمى البصر
لتداري النزفَ والحمّى،
وأشياء أُخر
آه .. يا درب المحطّاتِ،
وناقوس الخطر
كيف لم تُقرعَ قبلَ الغوصِ في الحمّى ،
وتـنّّين السفر..
كنتُ حينا أرتمي عند الفرات
لأغنّي..
لحمام الدوح أو حتّى صغار القبّرات..
منذ أن كنّا صغاراً ،
نكتبُ اللحنَ ونحيا الأغنيات..
ونغنّي ،
للبساتينِ نغنّي ولحملانِ الحقول..
مرّةً كنتُ أناجي الطير ،
مرّاتٍ على مهري أصول..
باحثاً عن وجهها الحلو الخجول
نافضاً عنها حبيبات المطر..
آه.. يا دوامة الدرب الطويل ،
كيف أسّستِ على صدريَ متراساً ثقيلْ
في عصور السبي والإرهاب والوطن البديلْ .
2
بدّدتني سبلُ العشقِ لبعضِ الملكات
فتهالكتُ على جرفِ السطور
أجلدُ الظلمةَ بالشعرِ،
وحيناً بالبخور..
ملكٌ للحبِّ مخلوعٌ وتاجي ترّهات..
فمتى يستيقظ الصبح الجسور
فأداري خيبتي مع خيطِ نور
ومتى يحملني الثور الخرافي المجنّح،
طائراً بي ساعةً في أرض " أور"
ملقياً بي بين حضن الأمّهات..؟
3
منذُ أزمانٍ يحطُّ الموتُ في وادي الفرات
عبثاً تحتجّ، أو تُبعثَ في الأرضِ الحياة
فالثرى نارٌ وتحت الأرضِ مخزون زيوت
وإذا ما انشقَّ نبتٌ ،
بادرتهُ الريحُ بالعصفِ ، وأشداقٌ لحوت..
مَنْ تُرى يقوى على الصبرِ،
ويحيا في بيوت العنكبوت؟
سقطَ الفارسُ في الميدانِ،
وانفكت مهاميز الخيول
وأنا ما بين جرفيها أغنّي وأصول،
بثيابِ الكهنوت
مرّةً وحدي،
وأحيانا معي بعض العجول..
حضروا من كلِّ صوبٍ من ألوف السنوات
كلّما زالوا تجّددِ نسلهم،
أو كلّما زيلوا تناسخت الفلول
آه.. من عقمِ التراتيلِ وصمت الكلمات
لم يزل حلمي وسحر الشرقِ أعمى،
وبقايا الكائنات..
4
أسرتني حلوتي حتّى القشورْ..
منذ أنْ كنتُ وإياها نغّني للعصافيرِ وللنهرِ الطهورْ
بين نهديها تدثّرتُ طويلاً،
والمها حولي يدورْ
قبل أنْ يهبط في ليلٍ هبوط الصاعقةْ،
مَلكُ الموت وجرذان جنود المحرقةْ
جلّهم من أرضِ "سامٍ" و خنازيرِ البلادِ المارقةْ
سقطوا في المدنِ الكبرى ، وبركانٌ يثورْ
فاستباحوا صفوةَ الطيرِ وثوبَ العاشقةْ..
حاضراً كان المساء
والتوابيتُ وحفّارُ القبور
والأفاعي والطيورُ الباشقةْ..
وحدها الحلوةُ،
كانت تتدلّى بحبالِ المشنقة..
وتديرُ العينَ للنهرِ ومَنْ قدْ يسرقهْ
وأنا كنتُ بعيداً،
في سهوب الغربِ ملتفّاً كخيطِ الشرنقة

5
وحشةُ الليلِ ، ومنفايَ، وأكوامُ جليد..
وبقايا أمنياتٍ سافرتْ عبرَ حدودِ النفسِ،
للزمنِ البعيد..
تمتطي خيلَ "المثنى " ،
وتصلّي في دواوين " الرشيد"..
تحملُ الآمال والآلام للعصر الجديد
عصر "هاروت" و "ماروت" ،
وأفراس السبق..
هكذا مرّت خيولي ذات صبحٍ لتصول
إنّما كانت خيولاً من ورق،
لم تعبر النهر ولم تتبع دقّات الطبول..
آه.. ماذا للأميرةِ ، حين تلقاني، أقول..؟

ألمانيا في
29/10/2008