صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 19

الموضوع: بـــــــــــلا دموع ...!

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي بـــــــــــلا دموع ...!

    بـــــــــــلا دموع ...!

    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    .................................................. ......

    دعا حسام الله أن تكون خطيبته هند مع أمها فقط في البيت، وأن يكون أخوها عمر مدرس الفيزياء في مدرسة القرية الثانوية ـ الذي يكبرها بعامين قد ذهب لحصة دروس خصوصية صيفية، وتمنى أن تفتح هي الباب، حتى ينعم بنظرتها التي يُحب أن يراها دائماً.
    أما والدها المهندس عثمان فهو متأكد أنه لن يراه، فهو يعمل في شركة بترول بالصحراء الشرقية، ولا يعود إلا كل شهر مرة ليُمضي مع أسرته عشرة أيام، وهو قد سافر منذ عشرة أيام لا غير.
    لكن الله لم يستجب دعاءه، فقد فتحت له الحاجة عنايات (أو أم عمر) الموجهة المالية والإدارية بإدارة الزقازيق التعليمية.
    ***
    قدّمت أم عمر الشاي لحسام وابن خالته صدقي ـ وهو محاسب بإدارة المنصورة الهندسية، وأشيب، وفي الخامسة والأربعين ـ ولاحظ حسام أن أم عمر متوترة، وأن بريق دمعتين منطفئتين في عينيها.
    قال:
    ـ أين هند؟
    ـ في الإسكندرية.
    ـ لماذا سافرت وحدها؟ .. اعتادت ألا تسافر إلا معي أو مع الأستاذ عمر.
    قالت أم عمر في آلية:
    ـ الإسكندرية قريبة.
    بلع ريقه في صعوبة:
    ـ ومتى ستعود إن شاء الله؟
    ـ قبل نهاية الإجازة بأسبوع.
    نحن في أول الإجازة .. فهل ستُمضي شهريْن عند خالها في الإسكندرية؟ .. وكيف سيقضي هو هذه الفترة العصيبة؟
    ***
    دخلت أم عمر إلى الحجرة المُجاورة، وعادت وهي تحمل حقيبة يد سمراء كم رأى هند وهي تحملها في كتفها، وكم وضع لها بعض الورود فيها، وهما يمشيان معاً في الزقازيق.
    خطبها منذ عام، وقدّم شبكة متواضعة من دبلتين: ذهبية لها وفضية له، وابتدأ يجمع القرش إلى القرش حتى يُؤثث شقته المتواضعة ـ التي تتكوّن من حجرتين ـ في الزقازيق.
    كانت هند غير راضية بها، لكنها تعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة وسيستأجران ـ فيما بعد ـ شقة أخرى تكون أوسع من تلك التي كجحر الثعلب، ولا تزيد عن سبعين متراً.
    حسام وهند من قرية لا تبعد كثيراً عن الزقازيق، كانا في مدرسة واحدة منذ المرحلة الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية. وكانا يتنافسان دائماً على المركز الأول. والتحقا بكلية التجارة، وهاهما قد تعيّنا معيديْن منذ ثلاثة أعوام.
    كانت حكاية حبهما على كل لسان منذ نهاية المرحلة الثانوية.
    ***
    جلست أم عمر على الكنبة، ووضعت الحقيبة بجانبها.
    قال حسام:
    ـ لم تقل لي هند أنها ستُسافر لزيارة خالها الباشمهندس محمود في الصيف.
    جو القرية خانق .. يحس برائحة خانقة .. لعلها رائحة يد حلة محروقة، تختلط برائحة سمك نفّاذة .. يبدو أنها منبعثة من البيت المواجه الذي يبعد ثلاثة أمتار فقط عن الحجرة التي يجلسون فيها.
    قال صدقي لحسام وهو يميل على أذنه:
    ـ عجِّل .. أحس برائحة غير طيبة تملأ المكان!
    يبدو أن أم عمر قد سمعت المُلاحظة، فبدا على وجهها ما يشير إلى الامتعاض.
    قال حسام:
    ـ ولماذا لم تقض الصيف هنا؟
    قالت أم عمر:
    ـ ابن خالتها الدكتور محسن عاد من أمريكا .. وذهبت لتسلم عليه .. وأنت تعلم أن شقة الدكتور محسن تُواجه شقة خالها محمود.
    كان محسن يكبره بأربعة أعوام تقريباً، وكان الأول على مدرسة القرية دائماَ.
    تذكَّر أنه حينما توجه لخطبتها منذ عام سمع من أحد فلاحي القرية أن هنداً على علاقة بمحسن ابن خالتها.
    قال ـ وهو يبلع ريقه بصعوبة ـ ولا يكاد هو نفسه يسمع صوته:
    ـ لقد عاد من أمريكا بسرعة!
    قال صدقي وهو يبتسم:
    ـ بل الأيام هي التي تجري بسرعة!
    قالت أم عمر وهي تؤكد على حروف كل كلمة، وتهش بيدها اليسرى ذبابة تُصر أن تقف على أنفها:
    ـ نال الدكتوراه في زمن قياسي.
    رأته ينظر في الأرض ويفرك أصابعه، فأضافت:
    ـ حصل على الشهادة في عامين ونصف، وكانت جامعة الإسكندرية قد أوفدته في بعثة لخمسة أعوام.
    سأل صدقي الذي يُقيم في المنصورة من خمسة وعشرين عاماً ـ وهو من جيل أم عمر، ولا يعرف معظم أبناء القرية:
    ـ الدكتوراه في الطب؟
    قالت الموجهة المالية:
    ـ لا .. في علم الاجتماع السياسي.
    ***
    تذكر حسام أن هنداً في لقاءاتهما الأخيرة كانت تكلمه عن ابن خالتها «محسن» كثيراً، وأنها كفَّت عن غناء أغنية أم كلثوم الأثيرة «الأطلال» التي كانت تغني مقاطع منها كلما تُقابله في حديقة الجامعة، وتشتبك أيديهما معاً.
    رفع حسام كوب الشاي فوجده بارداً، وكان ابن خالته «صدقي» قد انتهى من كوبه.
    قال للسيدة أم عمر وهو يهم بالقيام:
    ـ لقد تأخَّرنا .. تُصبحين على خير .. سلمي لي على الأستاذ عمر حينما يجيء.
    قالت في آلية:
    ـ سيأتي بعد قليل .. ألا تنتظره؟
    ـ الوقت متأخر كثيراً ..
    وأضاف وكأنه يتخلص من الكلمات:
    ـ سأراه في زيارة تالية إن شاء الله.
    مدَّ يده ليسلم عليها، ولكنها كانت مشغولة بفتح الحقيبة السوداء، التي أخرجت منها علبة قطيفة حمراء .. علبة لا يجهلها، وفتحتها قليلاً فرأى دبلته لهند.
    أغلقت العلبة، ووضعتها في ظرف أبيض، وقالت ـ وكأنها تؤدي مهمة رسمية ـ بلا مشاعر:
    ـ هذه رسالة من هند لك.
    أغمض «صدقي» عينيه وتحرك خطوتين إلى الأمام ليُغادر الحجرة، ولم يسألها «حسام» ماذا في هذه الرسالة؟ ومدَّ يده أمام أم عمر ليخلع دبلته الفضية، ويضعها في الظرف نفسه، ويُمرر لسانه على حافة الظرف ليلصقه بهدوء، ويضعه في جيب بنطلونه الخلفي .. بلا دموع!

    ديرب نجم 17/8/2003م

  2. #2
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 60
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    مبدع يا دكتور حسين فس كل ما تكتب ، وأجدني مشدودا إلى قصصك التي تنم عن كاتب كبير يستحق الاحترام والتقدير.
    دكتور حسين : أدعوك للمشاركة في المسابقة الأدبية التي أعلنا عنها على هذا الرابط:
    https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=12274
    ولك خالص ودي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان
    شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,320
    المواضيع : 59
    الردود : 4320
    المعدل اليومي : 0.58

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الحبيب الغالي الاديب القاص الدكتور حسين علي محمد

    جميلة مشوّقة هذه القصة , استخدمت فيها البساطة والمباشرة
    في السرد ومتابعة الاحداث , ثم جاءت العقدة بعفوية خفيفة ,
    ومن ثمّ اختتمت القصة بنفس العفوية , وخلف تلك البساطة
    والعفوية , تتعرض بشكل ذكي ناجح لمشكلة اجتماعية , في
    نموذج رائع للعمل الادبي الهادف .

    بارك الـلـه بك .

    اخوكم
    السمان

  4. #4

  5. #5

  6. #6

  7. #7

  8. #8
    الصورة الرمزية أسماء حرمة الله
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : على أجنحــةِ حُلُــم ..
    المشاركات : 3,877
    المواضيع : 95
    الردود : 3877
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي تحية ورد

    سلام اللـه عليك ورحمته وبركاته

    تحية تعبَقُ بالورد

    الأخ المبدع والأديب د. حسين علي محمد،

    اغرورقتْ بعينيّ دموعٌ وأنا أتابع أحداثَ قصتك، وحسام الذي ترك في نفوسنا ألماً عظيما بما حدث له، وكأن ماحدث له قد حدث لنا كقرّاء.
    استطعتَ باقتدار شدّنا لعالمك الخصب المرهف، واستفزاز دموعنا الراقدة وقلوبنا القارئة، لتقطفَ منها إعجاباً واعتزازاً.
    ---
    اسمح لي بأن أسأل عن:
    دِبلة و حَلّة؟

    دمتَ لنا
    وتقبّل مني خالص تحياتي وتقديري واعتزازي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    وألف باقة من الورد والمطر

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    شكراً للأديبة الأستاذة أسماء حرمة الله على تعليقها الجميل.
    حلة: إناء للطهو.
    دبلة: خاتم يوضع في اليد دلالة على الخطبة، أو الزواج.
    ............
    شكراً لك.

  10. #10
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    قصة من القصص التي نقرأها بشغف ونتابع أحداثها بلهفة ، فهي من واقعنا المعاش وأبطالها لحما ودما من أولئك الذين نراهم يوميا - شكرا لأستاذنا الدكتور على هذه القصة البديعة

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. عودي لعينك يا دموع ..مهداة
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 23-11-2006, 12:42 AM
  2. دموع متمرّدة
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 10-10-2004, 10:39 PM
  3. دموع في ليلة زفاف!!!{الإنتقام العذب}
    بواسطة حبيبة الظلام في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 07-12-2003, 06:39 PM
  4. دموع الياسمين أرسلتها رسائلاْ وحمامــــا
    بواسطة بكاء الياسمين في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 03-11-2003, 12:04 AM
  5. دموع الكبرياء(مشكلة العنوسة)
    بواسطة بن عمر غاني في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 09-10-2003, 09:00 PM