| 
 | 
هو الموتُ في كفّ القضاءِ نَوازلُهْ  | 
 فلا هو مُنحازٌ ولا مَا يُشاغِلُهْ | 
نُشيحُ بوجه الكِبْر عنه فننحني  | 
 تُجرجُرنا للقبر يوما سلاسِلُهْ | 
فهذي المنايا في الرّحاب طوائفٌ  | 
 يموتُ بها المفضولُ قدْرا وفاضلُهْ | 
ولله أمرُ العمرِ قبلَ مجيئِها  | 
 ولله أمرُ العمرِ حين تُعاجِلُه | 
تُكفّن هذا في ثيابِ صديقِه  | 
 وتَدْفنُ هذا في مكانٍ يُزَايِلُه | 
فلا الظالمُ الجبّارُ ينجو بظلمِهِ  | 
 ولا النازحُ المَنْفِيُّ تُجْدي رواحِلُه | 
ولا الناثرُ المُفْتَنُّ يحميه فنُّهُ  | 
 ولا الشّاعر النِّحريرُ تَحمي  مَحافِلُهْ | 
فسبحانَ ربّي إذ طواكَ قضاؤه  | 
 وما زال في قلبي الجريح تَساؤُلُه | 
إلى أين يا درويشُ والأفْقُ مُثْخَنٌ  | 
 وقلبُ الرؤى المفطورِ ينـزفُ سائـله | 
إلى أين والأحلامُ في الأسْر كلما  | 
 تنفّسَ بابُ السِّجْن ضاقتْ مفاصِلُهْ | 
إلى أين لا حيفا تُضاحكُها المنى  | 
 ولا بحرُها  الفيّاضُ  يبسِمُ  ساحلُهْ | 
ولا الكرملُ المحزونُ حجّتْ طيورُه  | 
 إلى مسجدِ الروحِ الذي ناءَ كاهلُهْ | 
إلى أين لا عكا تُصافحُ بحرَها  | 
 ولا "البروةُ " الشَمّاءُ  منها  تُغازلُه | 
ولا النورسُ المَنْفيُّ يشدو مُرَتِّلا  | 
 على  الموجِ آيَ العَوْد والمدُّ  مَاطِلُه | 
إلى أين  لا الليمونُ يُشرقُ لونه  | 
 ولا القمحُ تَرفُلُ في الأمانِ   سنابِلُه | 
ولا البرتقالُ البكرُ يتلو أريجَه  | 
 على مَفرِق الأيامِ  والحزنُ  قاصِلُهْ | 
رويدك يا درويشُ فالحُزْن طافحٌ  | 
 ونَبْعُ الأسى المَوّارُ تَغْلي مَراجِلُهْ | 
يُزحزحُ فجرُ القدسِ أثقالَ حزنِه  | 
 فترميه بالمـوتِ الزُّؤامِ قـنـابِلُهْ | 
وتَسْطو بأوردةِ الجليــلِ مواجـعٌ  | 
 تَخِـرُّ لها أضلاعُه  وخمائِلُهْ | 
إلى أين والمَنْفَى يَضيقُ بشعبِنا  | 
 وتَروي حكاياتِ اللجوء  أرامِلُهْ | 
وينبتُ منا الطفلُ في رحْم شدّة  | 
 وتُلْقمه   ثديَ الخيامِ   غوائلُهْ | 
رحلْتَ إلى المَنْفى الغريب مُؤمِّلا  | 
 رحيلَ المنافي فاستطالتْ منازلُه | 
وعدتَ إلى الأوطانِ عودةَ آملٍ  | 
 بصبح  فهُدّتْ بالصّراعِ  هياكِلُهْ | 
لقد كنتَ كفّا للتوحّد كلما  | 
 تَفتَّقَ خَرْقٌ  رحتَ تسعى تُحاوِلُه | 
رويدك يا درويشُ كيف تَركتَنا  | 
 وهذا الخلافُ المُرّ تنمو فسائِلُه | 
ترجلتَ و"الغبراءُ" تطردُ "داحسا"  | 
 وتغزو  ثغورَ الحيِّ فيه  قبائِلُه | 
ويمشي "كليبٌ" في الدّماءِ مُسِرْبلا  | 
 وفي إِثْرِهِ "الجَسّاسُ "  تَسْطو مَنَاصِلُهْ | 
أأغراكَ بالموتِ البعيدِ تناحُرٌ  | 
 تُدَفُِّـن حـُلْـمَ الشَّعْـبِ فيه فصائِلُه | 
فرُحماك يا رحمنُ بالشّعب بعده  | 
 ورَحماكَ بالشّعر الذي مات صاقِلُه | 
طَوَتْهُ يدُ الموتِ الشديدِ بغربةٍ  | 
 ومَسّتْ  سويداءَ  القلوبِ  رسائِلُه | 
وفاضتْ عيونُ القدسِ بالدمعِ حَسرةً  | 
 تُبَكّي جَمالَ الشّعْر إذ خفّ هاطِلُه | 
وتَرثي فتى الأوطانِ ضجّت لِموته  | 
 قوافي  قريضٍ  أَبْدَعَتْها  أنامِلُه | 
وتنعى الخيالَ الخِصْبَ إذ جفّ ضَرْعُهُ  | 
 فضاقتْ  له  آفاقُه  ومَناهِلُه | 
حنانَيكَ يا درويشُ كيف تهاطلتْ  | 
 بأرضِ المنافي روحُ فذ ٍّ ووابِلُه | 
وكيف ذوى قلبُ الغريبِ بِمِبْضَعٍ  | 
 وقد كانت الطَّعناتُ دوما تُعاجِلُه | 
وهل ظلَّ في الجسمِ العليلِ خليَّةٌ  | 
 بمَنأى عن السّهمِ الذي اشتطّ نابِلُهْ | 
تعاقبـت السّتـونَ يَنـهـشْنَ لحمَهُ  | 
 ويَمضغْنَ شعرا رَفّ فيه  تفاؤُله | 
فبـالـلـهِ يا جـَـرّاحُ أيَّ قصيدةٍ  | 
 قرأتَ بقلبٍ أَدْمَنَ الحُزْنَ حامِلُهْ | 
وأيَّ معانٍ قد ذخرتَ لآجلٍ  | 
 بهذا الفتى المذبوحِ إذْ حلَّ عاجِلُهْ | 
وأيَّ رؤى لَمْلَمْتَ مِنْ كفِّ شِعْرِه  | 
 فهذا  فتى الإنسانِ والشِّعْرُ  بابلُِهْ | 
ويا أيها الرّاثونَ مَهلا فإنني  | 
 رأيتُ غدَ الأيامِ خُرسا بلابِلُهْ | 
رأيتُ حصان الشعرِ يصهلُ وحدَه  | 
 وما من حصانٍ بالأمانِ يُصاهِلُه | 
فهذا حِمى العِلْم الحديثِ مُحاصَرٌ  | 
 تَذِلُّ  لِمِفْتاحِ  الشّرورِ  أنامِلُه | 
وتوقدُ حربا قد تبدّى سُعارها  | 
 فيشقى بها  كونٌ  ويعظُمُ  قاتِلُه | 
رأيت الضحايا بالملايينِ إذ بدتْ  | 
 تُطَوّحُ بالكونِ الفسيحِ  زلازِلُه | 
فتلك جبالُ الرّعبِ فينا تناوحتْ  | 
 وذاك السّحابُ المُرّ تدنو جحافِلُه | 
تنفّس أُفْقُ الكونِ مِنْ سَمّ إبرةٍ  | 
 وخِيطتْ بسُمّ القاذفاتِ غَلائِلُه | 
رأيتُ غرابَ البينِ ينعقُ بالأسى  | 
 وهذا الرّدى المحمومُ يُمطرُ وابِلُه | 
فلا القبرُ ضمّ الناسَ والموتُ دائرٌ  | 
 ولا الكَفَنُ المحمولُ يَحميهِ حامِلْه | 
كأني  بدرويشٍ يخاطب من رثى  | 
 وتقرعُ   آذانَ   النعاةِ   جلاجِلُهْ | 
أغيثوا بني الإنسانِ فالشرّ قادم  | 
 وذي الحربُ دربٌ والشعوبُ قوافِلُه |