تعد الخطابة من أهم الفنون الأدبية و أقدمها لحاجة الناس في مجتمعاتهم و ذلك في الحرب ،الصلح،المنازعات ،التحكيم ،الزواج وغير ذلك من المناسبات التي يلجأان فيها إلى الخطابة قصداً لتأثير باسلوب بلاغيٍ و حجج وبراهين،وكان اليونان القدماء يهتمون بهذا الفن اهتماماً بالغاً فألف فيه الفيلسوف و الناقد اليوناني أرسطو {-320ق.م} كتابهُ الخطابة{ترجمه العرب منذ القرن الثالث الهجري في العصر العباسي واهتموا به اهتماما كبيرا} وقد أرسى في قواعد الخطابة و أصولها وخصائصها ومميزاتها و أنواعها وخاصة الخطابة القضائية أي خطب المحامين و القضاة البليغة والمدعمة بالحجج والبراهين المقنعة ثم قلده الجاحظ {-255ه} في العصر العباسي فألف كتابا مشهورا في الخطابة العربية وهو كتاب :البيان والتبين،ن وإن كان هذا الكتاب يشتمل على بعض الجوانب الأدبية و النقدية أيضا .
وقد اشتهر العرب في الجاهلية بالخطابة و الخطباء وجعلوا للخطيب منزلة عالية تربو على منزلة الشاعر ،فسيد القوم وشيخ القبيلة هو خطيبها عادة، ومن اشهر الخطباء في الجاهلية قس بن ساعدة الإيادي الذي ورد ذكره في السيرة النبوية إذا استمع الرسول صلى الله عليه وسلم في صغرهِ بعض خطبه في سوق عكاظ و أبدى إعجابه بها فذكروا"أن وفدا من إياد قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما صنع قس؟فقالوا :هلك يا رسول الله.فقال لكأني به في عكاظ يقول كلاما ما أراني أحفظه.قال أحدهم أنا أحفظه يا رسول الله ،كان يقول أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات ،وكل ما هو آت لآت ،ليل داج وسماء ذات أبراج …" فقال النبي رحم الله قساً،وأرجو أن يحشره يوم القيامة أمة واحدة وذلك تقديراً لخطبته وما فيها من معانٍ وأفكارٍ وبلاغه
وقد جعل الإسلام بخطابه ركناً من أركانها ومتممات بعض الصلوات كالجمعة والعيدين والحج فاهتم المسلمون بالخطابة اهتماما خاصا وظهر نوعٌ جديد منها وهو الخطابة الدينية كما ظهرت الخطابة السياسية وازدهرت بالعصر الأموي بشكل خاص فكانت الوسيلة التي اعتمد عليها أصحاب المذاهب المختلفة في الإقناع والتأثير والرد على الخصوم كخطب الخوارج والأميون وخطب الإمام علي رضي الله عنه وغيرها من هذه الخطب الدينية والسياسية التي استمرت إلى يومنا هذا
وللخطبة قواعد معروفه تبدأ بالبسملة والحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي ثم فصل الخطبة وهي قولنا ب"أما بعد"{فصل الخطبة} ليبدأ بعدها موضوع الخطبة الأساسي الذي تطرح فيه الأفكار مرتبة ومتسلسلة يتصل بعضها ببعض وتدعم بالحجج و الأدلة والشواهد والإقناع والتأثير باسلوبٍ خطابيٍ بليغ يعتمد على الجمل الإنشائية كالأمر والنهي والتعجب والاستفهام فضلا عن الجمل الخبرية لتقرير الحقائق وتنتهي الخطبة بخاتمه تلخص فيها أفكارها ونتائجها.
وينبغي أن يكون الخطيب فصيحاً بليغاً ،قادراً على الإقناع و التأثير ثابت من القلب واضح الصوت قوي النبرات يخاطب كل طبقةٍ من الناس بطبقةٍ من الكلام بحسب مستواهم وثقافتهم فيوجز حيناً ويطنب أحياناً ولذلك قالوا لكل مقام مقال.
وهذا الفن العريق من أصلح الفنون الأدبية للأطفال فهو ينمي ثقة الطفل بنفسه ، دربه على الجرأة والثبات وعرض الحجج و الآراء والدفاع عنها والإقناع بها لأن غاية الخطبة في النهاية إنما تتجلى في القدرة على الإقناع باسلوب بلاغيٍ قويٍ ومؤثر يراعي طبيعة المتلقين و المستمعين وبذلك يتعلم الطفل منذ الصغر فنون القول و الارتجال والمواجهة والارتجال بشكل تدريجي فيبدأ بخطبة قصيرة وقد تكون مكتوبة ثم يندرج إلى الارتجال فيتعلم الرد على خطيب سابق من زملائه وبذلك تنمو روح المناقشة و الديموقراطية في نفوس الأطفال منذ الصغر وغايتهم الوصول إلى الحق والصواب في الرأي .
وقد أشرنا إلى أن الخطبة ينبغي أن تبدأ بمقدمة تشد انتباه السامعين إليها والى فكرتها الرئيسية ثم يبدأ الخطيب بمناقشة هذه الفكرة وتفصيلها وإيراد الحجج والشواهد المناسبة لها قبل ختامها وإيجاز قصد تثبيتها في الأذهان {مقدمه-عرض الأفكار- خاتمه }.


كتبتها من محاضراتي للدكتور :محمد خير موسى
مع مشاركاتي أنا والطالبات و بعض إنتقاداتنا
و أرجو أن يحوز الموضوع على إعجابكم
في إنتظار ردودكم