سيمفونية الخيبة ....!!

كثيرا ما تباهى بابنه الوحيد ، لم يخل مجلس من الحديث عن سماته ..... صوَره ملاكا ليس من طينة البشر ، رسم أحلاما وردية حول مستقبله ... سيكون حاكما أو حكيما (طبيب) هكذا أنبأته قارئة الفنجان ...!
مرت السنون واجتاز الثانوية العامة ، اغتبط أهل القرية ورقصت الأم والأخوات وأطلق الوالد العيارات النارية ابتهاجا وتوافد الأهل والأحبة مهنئين ، وانبرى الأب يعدد الجامعات الغربية والعربية ويوازن المستويات ويتنقل بين التخصصات حائرا وأخيرا وبعد تفكير طويل عزم الأمر على دراسة الطب في إحدى الجامعات الأوروبية.
سنوات قلائل ستغذى الأبصار بلافته تحمل اسم ابنه الطبيب بالخط العريض أسرَها في نفسه .
ومرت السنون ..... سنون عجاف التهمت الأخضر واليابس ، قلبت الجيوب وكشفت العيوب ، تضور الصغار وتأوه الكبار... وتجرع الأب مرارة الأيام معزيا النفس (إن غدا لناظره قريب)
ذات يوم لاحت بارقة الأمل ، رسالة مفادها خبر بعودة الغائب ، رقص الأمل في نفوس الجميع وردت الأرواح إلى جثث نخرها القنوط وهد كيانها الإعياء ... وبفارغ الصبر انتظر الجميع اليوم الموعود ومع بزوغ الفجر تسمَرت الأرجل وزاغت الأبصار تتفحص وجوه الوافدين ، سويعات انتظار اكتوت بها الأنفس العطشى إلى اللقاء ...!
وأخيرا انبلج الباب المؤدي إلى قاعة الانتظار ويهل الضيف يتأبط حقيبة سوداء وفي إثره شقراء في خريف عمرها يتبعها خمسة أطفال .... ويغرق الجميع في بحر لقاء حار طال انتظاره ...!!!
وبعناية فائقة كان للأم شرف حمل الحقيبة .... كيف لا وهي تحوي معدات الطبيب ؟؟؟؟؟
ولم يتوان الأب في توجيه سيل من الأسئلة لابنه .
من هؤلاء المرافقون؟؟!! ....ياللهول !!!!!! صعقته الإجابة إنها زوجتي وأولادي ..... وبمرارة يسال الأب جميعهم ؟؟؟!! لا يا أبي ثلاثة أولادي واثنان من زوجها السابق .
وجمت الأم وتدحرجت دمعة حبيسة على وجنة لوحتها قسوة الأيام... وتعثرت في جلبابها القروي وتسقط الحقيبة مشرعة عن قيثارة كان الابن سيعزف عليها سيمفونية الخيبة !!!؟؟