المُعارضة الشعرية فنٌ قديم لجأ الكتاب إليه كأُسلوبٍ يعرض من خلاله الشاعر قدرته و مهارته الشعرية، والمُعارضة لغةً من الجذر عرض بمعنى ظهر، و(عارضه) سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. و(عارض) الكتاب بالكتاب: قابله. وقد جاء في معجم (لسان العرب) أن (المعارضة) هي المحاذاة.

وهي (اصطلاحا) أن يقوم شاعر بنظم قصيدة على غرار أخى كتبها شاعر آخر ، محاكياً القصيدة الأولى وزناً و موضوعاً و قافيةً في محاولةٍ لمُحاكاة النص الأول و التفوق عليه, و بالتالي فإن هناك نموذجاً أمام الكاتب المُعارض ليُحاكيه و يقتدي به بل مُحاولاً تجاوزه و التفوق عليه .

قامَ العديد من الشعراء بكتابة المُعارضات على مر العصور لكن هناك مُعارضات نالت شُهرةً أكبر من غيرها فكانت محط الأنظار و الاهتمام , من أشهر المُعارضات في العصر الجاهلي معارضة بين امرؤ القيس و علقمة بن عبد فقد احتكما الى أم جندب (زوجة امرؤ القيس)إذ قام كل منهما بكتابة قصيدةٍ يصف فيها فرسه بحيث تكون القصيدتان على رويٍ واحدٍ و قافيةٍ واحدة , كان حكم أم جندب أن علقمة أشعر من امرئ القيس فكان ذلك سبب طلاقها منه و زواجها من علقمة المُلقب بالفحل .
لكن المُعارضات بلغت أهميةً كبيرة في الشعر الأندلسي , لقد قام الكتاب و الشعراء في الأندلس بمُحاكاة كُتاب و شعراء الشرق قام محمد بن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد"بمُحاكاة كتاب ابن قتيبة "عيون الأخبار " , و عارض أبو بكر الأشبوني رائية أبي فراس الحمداني و غيرها الكثير من المُعارضات . و من الأمثلة الحديثة على ذلك الفن ما قام به أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته "نهج البُردة التي تُحاكي قصيدة البوصيري "البُردة " .


" لوعة البين" للأمير الدكتور سمير العمري قصيدة كُتبت مُعارضةً لقصيدة بحتري المغرب ابن زيدون الشهيرة " أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا" التي تعرف أيضاً بنونية ابن زيدون , تُعد قصيدة ابن زيدون من أشهر القصائد التي تعرض حال الألم الذي يُعانيه المُحب جراء فقد و غياب من أحب , فهو قد كتبها يصف فيها حاله بعد فراق حبيبته ولادة بنت المستكفي , جاءت قصيدة الأمير مُعارضة لها تحمل القافية نفسها و الموضوع ذاته لكن بأُسلوبٍ رائعٍ مُباغتٍ ذكي فلم تكن فقط مُحاكاةً فقط و إنما تفوقت على قصيدة ابن زيدون في نقاطٍ سيتم توضحها في القراءة .


"لوعة البين " اللوعة لُغةً حُرقة القلب للحزن، والهوى والوجد؛ يقال: " في قلبه لوعة " أي: أسى وحزن. ولاعَه الحبُّ: أمرضه، ولوَّعه , أما البين فهو الفُرقة , نجد عبارة لوعة تصورُ الحالة الوجدانية للمُحب و شدة ألمه , لأنها كلمة رقيقة تُناسب دفئ مشاعر المُحب و قوة حبه و مرارة الفقد التي عاناها لغياب المحبوب و بُعده عنه , رقة الكلمة "لوعة " تُضاعف ألم الفقد و تنقل الصورةَ بشكلٍ دقيقٍ للقارئ , أثر الفراق ليس عادياً على ذلك المُحب الذي يُعاني اللوعة و يُقاسي مرارتها و بالتالي فإن عرض الصورة الداخلية للمُحب بدأ من العنوان و لم يكن فقط في الأبيات و هذا مما يزيد تفاعل القارئ مع ما عاناه المُحب .


"أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا " عنوان يصف تبدل الحال و تغيره من القُرب إلى البُعد و التنائي لكنه لا يُصور الحالة الوجدانية أو الألم الذي يعيشه المُحب و لم يعرض عاطفته وما يجول بداخله و إنما كان تلميحاً لما بداخله و ليس عرضاً صريحاً .


أَعَــادَكِ الـعِـيْـدُ أَمْ عَـــادَتْ عَـوَادِيْـنَـا***أَمِ اسْتَعَـادَتْ مِــنَ الـذِّكْـرَى دَوَاعِيْـنَـا
أَمْ جَـدَّكِ الوَجْـدُ يَـا نَفْـسًـا أَذْوُبُ بِـهَـا***أَمْ أَوْهَــنَ القَـلْـبَ مَــا أَفْـشَـتْ مَآقِيْـنَـا



تبدأ قصيدة "لوعة البين " بتبيان داعي التذكُر و الحسرة , فالعيد مُناسبةٌ سارة لها طابعٌ يحمل السعادة لاجتماع الأحباب و المُتقاربين فيه لكنه لمن عاش لوعة الفراق سبب حسرةٍ و ألم , الحديث عن العيد لا يتضمن أن المُحب لا يذكر محبوبه في الأيام العادية لكنه يواسي نفسه فهي أيامٌ لا تحمل شيئاً خاصاً يستدعي وجود المحبوب أما العيد فإنه لا يكون كذلك إلا بوجود المحبوب , وجوده يحول الأيام العادية إلى أعيادٍ و أفراح و غيابه يجعل العيد بائساً , فالعيد زاد من حزنه و حرقته ,فيكون لسانُ حال المُحب

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ***بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ***فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

يصور حبه لها فهو يذوب فيها حُباً , وهذه أرق صور الحب عندما يغيب المحبوب و يتلاشى و يذوب في كيان محبوبه وكأنه لا يكون إلا إذا كان محبوبه , قلبه أصابه الضعف و هو ضعفٌ لرقةِ ذلك القلب , جادت عيناهُ دمعاً حارقاً لفراق ذلك الحبيب فرق قلبه , دموع عينه باحت بسره و أفشته و أعلنت عن حبه و حرقته .


*
أضحى التنائي بديلاً من َتدانينا***ونابَ عن طيبِ لقيانا تجافينا
ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا***حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا



يصف ابن زيدون حال البُعدِ الذي حل بينه و بين ولادة بنت المُستكفي بعد أن كان حالهما القُرب ,تغير الحال و تبدل , و كأن خبر الرحيل و الفراق كان نعوةً لعهدهما الذي مضى حينَ كانا سعيدين ينعمان بالقُربِ , كان فراقها بمثابة موته و نهاية سعادته .


أَشْجَاكِ مِـنْ مُهْجَتِـي نَجْـوَىً أُرَدِّدُهَـا***شِعْـرَاً يَفِيْـضُ بِغَـيْـرِ السَّـعْـدِ تَلْحِيْـنَـا
فَـصِـرْتِ لِـلأَلَــمِ المَـكْـتُـوْبِ مُـدْمِـنَـةً***وَصِـرْتِ بِالأَمَـلِ المَكْـذُوْبِ تُغْرِيْـنَـا


دموعُ عينه جعلت لسانه يفيضُ شِعراً حزين النغم , كان شعره مُناجاةً لها , كلمة " نجوى " كلمةٌ رقيقةٌ تصور رقة الخطابِ و تلطفهِ و قُربه من روحه , تصفُ حُباً روحياً راقياً و الحب أو التعلق الروحي من أسمى حالات الحُبِ و أرقاها , و معنى نجوى إظهار ما في القلب من أسرار وعواطف، السرّ. "نَجْوَى النَّفْسِ" : حَدِيثُهَا، أَيْ مَا يُوَجِّهُهُ الْمَرْءُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى نَفْسِهِ, نقول ناجى العبد ربه دلالةً على قربه منه و شدة حبهِ له فالمُناجاة لا تكون إلا من قلبٍ مُحبٍ مُقبلٍ بصدقٍ على محبوبه , و كلمة مُهجتي و تعنى الرُّوح، النَّفْس, الدم، القلب، دم القلب، الروح. ومهجةُ كل شيء أحسنُه وخالصه, فالكلماتُ المُستخدمة رقيقةٌ جداً تدلُ على شدة القُربِ الروحي و القلبي حتى وإن كان البُعد الماديُ كبيراً و شاسعاً فإنه لم يُقلل من وهج هذا الحب بل زاده , استخدام تلك الكلمات رفع مكانة حبه فهو تعلقٌ روحيٌ سامٍ و ليس فقط تعلقاً مادياً .


مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ،*** حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا*** أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا


خبر رحيلهم كان سبباً في حزنه و امتد أثره ليكون سبباً في حُزن الدهر أيضاً على انقضاء زمان الوصل و الود , كاد الحُزن أن يكون سبب هلاكه و مرضه , فها هو الزمان يتغيرُ و يتبدل فبعد أن كان يؤنسه بقربها كان هو ذاته سبب شقائه لبُعدها عنه فكان الزمن المُضحكُ المُبكي .


قَـدْ كَـانَ عَهْـدٌ مِـنَ الفِـرْدَوْسِ نَفْحَـتُـهُ***بِأُمْسِيات كَسَوْنَـا سَـمْـتَـهَـا لِـيْـنَــا
وَأُمْـنِـيَـاتٍ بَــتُــوْلٍ مِــــنْ سُـلافَـتِـهَـا***نَسْقِـي الرَّجَـاءَ بِكَـأْسٍ مِـنْ تَصَافِيْنَـا



كان زمان الوصل بمثابة الفردوس لهما لشدة سعادتهما و أُنسهما في حال القُربِ , فاكتست هيئةُ أيامهما ليناً مُتناسيان قسوة ما حولهما , وصف أُمنياته لطهارتها بأنها بتولٌ و قرن بين لفظِ بتول و سُلاف و هي الخمر أو من الشئ خالصه فكان ذلك مما يدلُ نقائها بالرغم مما قد يُحيطُ بها من كدر فكان ربط هاتان الكلمتان سويةً سبباً يُعزز الصور و يُقويها لأن ربط و مُقارنة الشئ بنقيضه تزيد من وضوح الفارق , كان يرجو أن يدوم حالهما على ما هو عليه من تصافٍ و قُرب لكن رجائه لم يتحقق.


غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا*** بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَا
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛*** وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا،*** فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم،*** هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا

حسدهم العاذل و شعر بالغيظ لرؤيتهما في هذا الحالِ من الصفاء و الود فتمنى زوال هذا الحالِ عنهما فكان الزمن مُلبياً لتلك الرغبة و مؤمناً على ذلك الدعاء فانقلب الحال , بعد اتصال نفسهما انحل ذلك الاتصال و تفرقا, انقضى زمان الوصل و حل زمان البُعد فأصبح أمل اللقاء ضعيفاً , و نال عاذلهم و مَن حسدهم ما تنمى و حل الفراق بينهما .


فَتَسْبَحُ الـرُّوْحُ نَشْـوَى وَالهَـوَى ثَمِـلٌ***وَيَقْطِـفُ القَلْـبُ بِالـشَّـوْقِ الرَّيَاحِيْـنَـا
لَكَـمْ سُقِيْنَـا بِــدَارِ السَّـعْـدِ هَـمْـسَ فَــمٍ***وَاليَـوْمَ يَسْكُـنُ جَـفْـنَ العَـيْـنِ سَاقِيْـنَـا

حالٌ من السعادة جعل روحه تُحلق بانتشاءٍ و فرح, و كان قلبه يجني ورود تلك السعادة , صورٌ رقيقةٌ مُعبرةٌ تعكس حال السعادة و الطهر الذي كان يحيطهما , العبارات و الصور تُعزز فكرة التعلقِ الروحي و تُقويها لتزداد رسوخاً , اكتسب المكان صفةَ دار السُعد لأنهما التقيا فيه حيثُ كان حديثهما همساً و مُناجاةً بصوتٍ هادئٍ رقيق لشدة الوجد و الحب , لكن عينه اليوم لا تتوقف عن البُكاء تحسُراً و ألماً لما آل إليه حالهما .


لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ*** رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا
ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ*** بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه،*** وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا

رغم البُعد و الفراق إلا أنه بقيَ على العهدِ وفياً مُخلصاً , فكان الوفاء دينه و مذهبه , كان وفاؤه موجباً لبقاء محبوبته كان فراقها موجباً لشماتة حاسده و سبب سرور مُبغِضِه , تسلل اليأسُ إلى نفسه فلم يعُد يأمل أن يعود زمان الوصل فينعمَ بقُربِ محبوبته من جديد .


وَكَــمْ قَطَفْـنَـا نَـوَاصِــي كُـــلَّ دَانِـيَــةٍ***مِــــنَ الــغَــرَامِ وَضَـمَّـتْـنَـا أَمَـانِـيْـنَـا
الـزَّهْـرُ بَسْمَتُـنَـا وَالـطَـيْـرُ هَمْسَـتُـنَـا***وَالصَمتُ رَبْوَتُـنَـا وَالشِّـعْـرُ وَادِيْـنَـا
وَرَوْضَةُ الطُّهْرِ فِي أَسْمَى مَشَاعِرِنَا***كَطَلْعَةِ الفَـجْـرِ فِــي أَدْجَــى لَيَالِـيْـنَـا



كانت أُمنياتهم بدوام حال الوصل تُحيطهم و تضمهم , يستظلون بظلها من هجير الحياةِ من حولهم , شاركتهم أرق المخلوقاتِ سعادتهم فكانت بسمتهم زهراً يتفتح على شفاههم فتُشرق وجوههم بابتسامةِ الرضى و السعادة , ينقلُ رسول الحبِ همساتهم وما من رسولٍ للمُحبين أرق ولا أرهف من الطير ,فهو يُحلق حاملاً رسائلهم و أشواقهم, كان كلامهم همساً و صمتهم ربوةٌ مُرتفعة و كأن ارتفاعها مكاناً دليلٌ على رفعتها و رُقي قدر ذلك الصمت فهو أرقى من الكلام و أبلغ حيثُ يكون كلامُ العيون أبلغ فبعض أحساسينا يظلمها الكلام و لا يفيها حقها و مما يُؤكد فكرة رفعة قدر الصمت قوله "الشعر وادينا" كلنا ندرك روعة الشعر و بلاغته في إيصال المشاعر و جماله كأسلوبٍ يُحمله الشاعر ما وقر في قلبه لكنه بالرغم من قدرته على صياغة الشعر يجدُ الصمت أفصح و أرقى , بحيث يكون الصمت أطهرَ و أنقى , يسطع الطهرُ في سمائهما ليجلو عتمة ما حولهما .


بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا*** شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا،*** يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
حالتْ لفقدِكمُ أيامُنا فغدتْ***سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إذْ جانبُ العيشِ طلْقٌ من تألّفنا***ومربعُ اللّهوِ صافٍ منْ تصافينا

يصفُ حال بكائه الدائم و جفاف جوانحه فهي لم تبتل بالماء الذي هو علامةُ الحياة و كأن جوارحه قد ماتت عطشاً , و الماء هنا هو الوصلُ و اللقاء , يستخدم هنا ابن زيدون كلمة مُناجاة أيضاً لتصوير رقةِ الخطاب و رُقيه , و تزداد روعة الخطاب عندما يقرن المُناجاةَ بالضمير حيثُ يكون شعوره الذي يُخفيه فلا يظهر إلا للخاصة , لكنه لشدة حزنه يكاد يهلك لولا أملُ اللقاء الذي يُصبرُ نفسه به , تحولت أيامُهُ كئيبةً و تبدلت لياليه فأصبحت سوداء بعد أن كان وجودها معه يُكسبُ ليلَه حُلةً بيضاء فلوجودها يتغير الليل و يُصبح أبيضاً مُنيراً , كانت أيامهم هنيئةً رائقةً صافية لصفاء حالهما و اتفاقهما فتغير الحال بعد الفراق من النقيض إلى النقيض , هذا التغيرُ في عالمه و ما يُحيطُ به ما هو إلا تصويرٌ لما حل بداخله فهي كانت تُنيرُ قلبه و روحه و بعد فراقها و غيابها كست الظُلمةُ و الكدر روحه و قلبه .


فِيْهَـا رَسَمْتُـكِ أَحْلامَـاً أَطُــوْفُ بِـهَـا***بَـيْـنَ النُّـجُـوْمِ بِنَـجْـوَى مِــنْ قَوَافِيْـنَـا
أَبُـثُّـهَـا الـشَّــوْقَ لا تَـخْـبُـوْ لَـوَاعِـجُـهُ***وَأَنْثُر الأُفْــقَ عِـطْـرًا مِــنْ مَعَانِيْـنَـا
أَعَانِـقُ الفَجْـرَ فِــي عَيْنَـيْـكِ مُبْتَسِـمًـا***وَأَلْثِمُ الـزَّهْـرَ فِــي خَـدَّيْـكِ وَالتِّـيْـنَـا



صورةُ رائعةٌ عذبةٌ لتلك المحبوبة ففي عينيها تكمن شمس الصباح و في خديها زهورٌ نضرة , رسمها كالحلمِ في رقته حملها يطوف بها عالياً في سمائه , كتبها شعراً رقيقاً يعبق بأريجٍ انتشر في كل ما يُحيطُ بهما .


وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ***قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما*** كنتم لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
لا تَحْسَـبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا***أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً***مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا

كان الوصل يُظلهما فيجنيان منه سعادةً و هناءً , يتذكر ما مضى من وصلٍ مُتحسراً لانقضائه , المُحبُ لا يرضى بغير محبوبه بديلاً و إن فاقه غيره حُسناً و جمالاً و ذكاءً , المُحب يُمثلُ لمحبوبه جمال الحياةِ و صفائها , كانت لروحه رياحينها و ورودها التي تنشر في حياته عبقاً و شذاً يُهون عليه مرارة الأيام و يُروح عنه , بالرغم من البُعد و الفقدِ إلا أنه ما زالَ على العهد مُحباً مُخلصاً لم يرضَ بغير حبيبته و لم يُبدلها.


يتبع