"كن القائد"
اجتمعنا الأسبوع الماضي - اجتماع شهري للأصدقاء - اجتمعنا علي أن ندعو جماعتنا باسم" رابطة الأمل".
هدفنا الأول والأخير هو خدمة الفرد ومجتمعنا الصغير المتمثل في قريتنا والقرى المجاورة .
عند التجمع الأول كانت الحاجة ملحة علي أن ننتخب فيما بيننا أمين للمجموعة - فلا تخلو جماعة من المناوشات
والاختلافات- فوجب وجود قائد حكيم نستند لحكمه حتى نتلاشى التفتت والفتن الدخيلة.
فكل منا قد رأي في ذاته انه الأحق بالقيادة –فما لها من صلاحيات جعلت الأمر مغري في نفوسنا- فأخذت الفوضي
تغطي المكان والتسابق علي من هو أحق لم يعد بالكلمات المهذبة..حتى إنني أتذكر أن احد الحاضرين من شدة انفعاله
نزع الحذاء وصوبه بوجه اقرب المقربين إليه أم الفتيات فكل منهن قد فعلت ما اعنها الله علي فعله :
فيهن من تختص بالمكائد الفورية -فرق تسود- وألاخري حاولت مسك العصا من المنتصف .. لم تبوح بما تكنه من طمع
بالسلطة وأخذت موقع المشاهد كمن حولنا من المشاهدين الذين قد دعتهم أصواتنا المرتفعة للمشاهدة.

مع كل هذا الضجيج يجلس هشام مُصغي جيدا لما يحدث بأذانه ويراقب بعيناه كأنه لم يكن بالجوار و فجأة دون أن يهتز
أو يغير جلسته المستقيمة قال:
"كل تلك الترها ت والصياح لن تنهي الأمر.وان كان اختير القائد سيلهينا عن ما اجتمعنا من اجله فالأفضل للجميع العودة لبيوتهم".
ثم وقف ينظر للجميع وقد ساد الصمت مع أول حرف قد نطق به ..اسند مقعده للخلف وغادرنا دون أن يلتفت ليري ما فعله بنا.

جلس الواقف واعتدل المائل في جلسته وتبادلنا النظرات الصامتة. كانت كلماته كالقنبلة التي نزع فتيلها قبل المغادرة .
احد المتفرجين صاح متطفل قائل:
"ها هو ذا من تبحثون عنه".
وغادر هو الأخر ومن بعده من كان يجلس بجوارنا دون أن نتفوه بنبت شفاه.. تركنا المكان واحد يلي الأخر.

طوال الليل أفكر فيما حدث؟! ولما حدث؟! وهل انتهت هكذا جماعتنا ..وكل الخطط والأحلام هل انتهت بالفعل؟!
وتراء أمام عيني مشهد هشام وحديثه ووقع كلماته في نفسي والصمت الذي ساد الجميع ..ومع بزوغ النهار
وبعد هلاك من الأفكار .. وصل هاتفي المحمول رسالة نصها:
"أنت كونك عضو مخلص لقريتك فكن عونا وفي لانتخاب هشام قائد للرابطة"
تعجبت لوصول تلك الرسالة فغير انه وقت غير مناسب للرسائل أو حتى ألاتصالات ، فمن يا تري أرسل تلك الرسالة ؟
لم أفكر طويلا "بالتأكيد هذا هشام أو احد أنصاره"حدثت نفسي بصوت مسموع.كانت حوالي الثامنة ولم أطيق الانتظار
أكثر من ذلك ،رفعت سماعة الهاتف أتحدث لصديقتي بما جاءت به الرسالة ولم ابدأ وإذ هي تروي نفس الحادثة
وإذ بالرسالة نفسها قد وصلت الجميع و قرروا الاجتماع اليوم دونما أن يعرف هشام و أغلقت السماعة .
"يبدو إنني لست الوحيدة التي لم تذق النوم الليلة الماضية " أهمس جالـسه وسط الجماعة.
أخذ الصمت عدة دقائق وكأن كل منا هلكته نفسه من الجدال معها طوال الليل ولم يبقي ما يقال ..وسط شتات من الأفكار
خيم علي المكان ..لم نلاحظ ذاك العجوز الذي توسط جلستنا ابيض ذو لحية قصيرة المنبت ويد الزمن لم تترك هذا الكهل
دون أن تنحت بصمتها بظهره المحني .. انتبهت إليه أولا ثم نبهت الجميع أن نقف احتراما لسنه ونسمع طلبه أو حتى ندعوه
للجلوس .لكن لم يجلس ولم نجلس أيضا ،فقال:
"أنا من أرسل الرسائل لكم وان ظننتم انه هذا الشاب الصبوح ذو اللسان الطيب فتكونوا قد أخطأ توا بحقه مرة أخري.انتم خيرت
هذا البلد الأمين وطلائع المتعلمين بقري مركزنا وقد أحزن قلبي ما سمعته من صياح أتباع الجاهلين الذين قد يظنوا إنهم قد
يسمعون هكذا ولهذا قررت أن أزيل غبار السلطة وأطماعها وأساعدكم للرأي الذي به صلاح حالكم .تذكروا أن من لا يطلب السلطة
فهو يعرف ما يملك وما لا يملك".
أدار ظهره لنا وغادرنا ومازال دوي كلماته رججا بأنفسنا،"ولم الصمت .فلم يعد هناك ما هو مبهم "
قال تلك الكلمات من أصبح الآن أمين جماعتنا الحالي بعد ما اتخذ قرار التوجه إلي بيت هشام وقد أجمعنا علي ذلك أيضا
حتى نعلن جميعنا توحدنا تحت شعار "كن القائد".
كشفنا عن أهم ما قد جمعنا لنكون تلك الرابطة: الاعتراف بالحق أي كان ما قد يصيبنا أو حتى يظهر لنا عيوبنا ،أن نترك من يستحق
أن ينال ما يحقه .تركنا هشام بغرف الانتظار بعد ما سمع منا ما قد قررناه والاعتذار الواجب عما قد ظننا ه بوصول تلك الرسالة .عاد
بعد خمس دقائق – ونحن في حيره من امرنا- محمل بواجب الضيافة وكل منا أخذ واجبه ...
قال الأمين الحالي له :"لم نسمع موافقتك حتى ألان".
أجابه قائل:"حقيقة الأمر أنا في حيرة من أمري.لا أصدق كيف لكم أن تظنوا أن ما قد قلته له علاقة برغبتي بالرئاسة .
وانتم تعرفونني ..أو كنت أظن أنكم عرفتموني"
قالت احدي الصديقات:"سبق وان اعتذرنا عما حدث وتلك الرسالة...(قاطعها أمين الصندوق بنظرة تدعوها بالرجوع عما ستبوح
به بشأن الرسالة فقد اتفقنا أن لا نتحدث عنها أمامه علي الأقل بالوقت الحاضر ) ولكنها لم تترك الفرصة لعقلها أن يترجم تلك الإشارة وقالت:
"التي ارسالها العجوز قد اعتقدنا إنها فعلتك .المهم نعم أم لا"
فهمس أمين الأعلام بأذان أمينة التخطيط قائل:"ليس هناك أي رجاءٍ في رجاءُ".ردت عليه بامائة الاتفاق علي ما قال.فقال هشام متسائل :
"عن أية رسالة تتحدثين".فنظرت للامين كأنها تطلب العون فقال يلومها:
"تحياتي ! !"
فقالت أمينة الأعلام توضح ما حدث من سوء فهم :
"اسمحوا لي الآن آن وقت أن يعرف ما حدث وحقيقة اعتذارنا.أثناء حديثنا أمس هناك شخص قد سمع ما دار بيننا -ليس هو فحسب-
المهم أُعجب ما بدر منك وقرر أن يرسل رسائل لجميع الأعضاء يطالبهم بتوليك المنصب. وقد اعتقدنا انك المرسل لهذه الرسائل ..عقدنا
اجتماع دون علمك وظهر رجل عجوز وأوضح ما قد أمليته عليك الآن".
ما أذهلنا جميعا ردة فعل هشام حيث انه غرق في الضحك الساخر منا جميعا والتفتنا ننظر لبعضنا البعض متسائلين ماذا حدث له..
ثم هدأ وقال:"هل تصدقون ما قيل.وان كان حقيقي من أين له بأرقام هواتفكم .غير ذلك انتم تعرفون إنني انتظر تعين الجامعة لي ويشطرت
أن لا يكون لي أي انتماء حزبي أو جماعي وأنا لا اطمع لأي منصب" .
لا يطمع للمنصب ..لا يتحدث إلا إذا لزم الأمر ..يجد في المعاناة بصيص أمل مطوي بين صفحات الغد ولا يري في صداقة البنت والولد سوي
الصداقة المبنية علي الإخلاص.يحاول الاستفادة من التعارف المتباين لمختلف الأشخاص ..ليس هناك من هو سيء علي طول الخط ومن
هو جيد علي طول الخط، كل منا يحمل العيوب فتقبل الأخر كما هو.

فكان الأسبوع الماضي أول اجتماع حقيقي للرابطة .. فمن أخذنا لبيت هشام أصبح قائدنا بعد أن أوكلنا أمر الاختيار لهشام فكان هو اقتراحه.
وكان اقتراحه مبررا حيث أن الأمين الحالي وهو بالفعل أمين البرلمان الشبابي وأكثر إدراك بعقد الاجتماعات وأكثر تفرغا وقدرة علي متابعة
المشاريع التي سنقوم بها.
في وسط الاجتماع رن هاتفي فستأذنتُ لأجيب الهاتف بعيد عنهم ..أثناء ردي لمحت هشام –فقد سبقني بالاستئذان –يتحدث لهذا العجوز الذي
قد توسطنا الأسبوع الماضي متحدثا عن تولي هشام المنصب.أنهيت المكالمة ولم اسمع منها حرف..ويبدوا أن هشام قد انهي حديثه أيضا يتقدم
نحوي ،توترت التفت أعطيه ظهري وأنا أتذكر حديثي مع العم" مروان" بعد اليوم المشئوم مترجية له أن يأتي في اليوم التالي إلي هنا ويتحدث
بشان الرسالة التي أرسلتها وينسبها له ويطلب منهم اختيار الأنسب ،لم أشاء أن يُطرح الأمر من قبلي حتى لا يحدث تكتل وجبهات لا ننتهي من
أمرها..وغير ذلك قد رايته الأنسب لما سنقوم به.
فتجاوزني وجلس ..فحككت رقبتي وجلست بمقعد أمامه اخشي أن انظر بعينه و أخاف أن يتفوه بما قد يكون اخبره العم "مروان". فانتهزت فرصة
انشغال الجميع واختلست النظر إليه فقال بهمس مفهوم:"شكرا".
شعرت بسعادة انه قد تفهم الأمر .وبعد انتهاء الاجتماع ساءلتني صديقتي:" فما كنت تتحدث مع ذاك العجوز؟".
–"متي؟" .
-"قبل الاجتماع قد شاهدك هشام وسائلني مع من تتحدثين ". أدركت حينها أن اختيار لهذا الفتي لم يكن هباء..التفت لصديقتي التي تنتظر الجواب قائلة:"شكرا..كنت أقول له.. شكرا".



بقلم / دعاء نورالدين
11-2011