" ضالة"
أَنتَظرُ القطَاَرَ كل يومِ .تَجلسُ سيدةُ عجوز لا يبدو عليها ابتغاء السفرِِِ . أجدها كل يومِ بالمحطةِ
ويبدو من شَيب بعضُ من خصالِ شعرهَاَ أنها قد تجاوزت الستين.وكعادتى فاتنى القطار وأنا
التقط أنفاسى تساءلتُ"هل يفوتها القطار كل يوم مثلى".
عُدت أُُروح عن عضلة رقبتى ما ألمَ بها من عدو الطريق فجلستٌ بالقرب منها ..أُحدث نفسى
بصوت مسموع:
" ماذا أفعل قد أتأخر اليوم أيضا . لماذا لا ينتظرنى القطار..تمنيت منذ زمن أن أركب قطارا.."
-" تُذكرينى بفتاةُ كانت تتحدث مثلك." نظرتُ إلى جانبى وإذ بالعجوز تتحدث ،لكنها لا تنظر تجاهى ..
نظرتُ من حولى فلم أجد سونا ،فسألتها:
" أتتحدثين معى؟!"
لم تَعيرنى إنتباهها مُتابعة دون أن تنظر تجاهى:
" إِنتظرت القطَاَرَ طويلا .. كانت تظن أنه وجب عليه الأنتظار وليست هى.."
أنتبهتُ وكلى آذانُ صاغيةُ حتى تُكمل حكاية تلك الفتاة فوقعت حقيبتى وطأتُ أنتشلها ..أنفضُ
عنها غبرة الرصيف ..نظرتُ إليها وأذ بى أنتفض من مكانى ،فلم أجدها بجوارى ..أختفت؟!!
وقفتُ مجذوعة أدور المكان بعينى أبحثُ عنها :
" يا! يا! ما أسمك! أين أنت ؟..أنتِ يا"
تملكنى الخوف وجزمتُ أن لا أطئ المحطة مرةُ أخرى.
أَقفُ أمام المحطة بعد عدةُ أيام تُغرينى قَدمى للدخول وتراوغنى نفسى عن الهروب ،
أم عقلى فحسم النزاع على أن أقتحمُ المكان و أُواجه خوفى.
ها أنا أجوب المحطة منذُ سويعات بحثً عن تلك العجوز ، لكن هذه المرة...
وجدته . وجدتُ القطار منتظرا فَصحتُ فرحه:
" هو . نعم، هو. هذا هو ما تمنيتً أن أتجول به قبل الذهاب إلى العمل وقبل عودتى للبيت
أتنفس هواء قوى من نافذته آرى الناس والزحمة والتراب ..."
" لماذا عُدتِ ؟ أُخرجى من هنا. لا تنتظرى قطارا قط."
جَفَ لُعابى ..هذا هو صَوتُهَاَ ..تجمدتُ وأنا أتملقها ...
ساد صمتُ شديد أخترقه صوت صَفير قطار قوى ..شَهقتُ فزعاً ..فقد غفوتُ وأشعر بأن
القطار بدأ يتحرك .نظرتُ لأتأكد من حولى..التفتُ جانبى فإذا بتلك العجوز تنظر لى مبتسمة ..
تمكنتُ من حقيبتى ونزلتُ من القطار جازمةُ على عدم النوم أبدا.


من الارشيف
بقلم / دعاء نور الدين
24-1-2010