حوار
شعر : د. محمد عاصي
:
خُطُواتُ شِعْري للفَضَاءِ مُقَيَّدَهْ
والفِكْرُ بَاتَ مُصَفَّدًا.. مَنْ صَفَّدَهْ؟
والبَحْرُ يغْدِرُ، والرِّياحُ تَلُفُّنا
واللَّيْلُ يقْسو، والضِيَا ما أبْعَدَهْ
وأَرَى السَّماءَ بِبَرْقِها وبِرَعْدِهَا
وبِكُلِّ أنْواعِ الغُيُومِ مُلَبَّدَهْ
والطَّيْرَ في وُكْناتِها؛ وَهِيَ التي
كانتْ بأرْجاءِ السَّمَاءِ مُغَرِّدَهْ
ما خِلْتُ أبْيَاتي يَغِيضُ مِدَادُهَا
أَوْ أنَّنِي يَوْمًا أَحَارُ لِمُفْرَدَهْ
والشِّعْرَ يشْكو مِنْ إسَاءَةِ لاحِنٍ
واللَّحْنُ في نُطْقِ المشَاعِرِ مَفْسَدَهْ
ومَضَيْتُ أبْحثُ عَلَّني قدْ ألْتَقي
نَفْسي؛ ونَفْسُ العاشِقينَ مُشَرَّدَهْ
وقلوبُهمْ في حِيرةٍ منْ أَمْرِهِمْ
وَلَدَيَّ قَلْبٌ مُؤْرَقٌ، مَا أَجْهَدَهْ
إنْ رُحْتُ أَرْقُبُ ما يَسُرُّ خَوَاطري
تَبْدو النَّوَاظِرُ، والنَّوَافِذُ مُوصَدَهْ
أوْ جُلْتُ أبْحَثُ عن صِفَاتِ أفاضلٍ
سَأرى عيوبًا في النُّفوسِ مُمَدَّدَهْ ّ!
وتلوحُ أَسْبابُ الصَّلاحِ عَصِيَّةٌ
ونَقِيضُها؛ سُبُلُ الفَسادِ مُعَبَّدَهْ !
ساءَلْتُ نًفْسيَ صَامِتًا مَنْ يا تُرَى
في دَارِنَا بَدَعَ الفسَادَ وشَيَّدَهْ ؟!
ومَضى بِنا نحْو الظّنونِ وبَحْرِهَا
والعَقْلَ مِنْ حُسْـنِ النَّوَايـا جَـرَّدَهْ
وغَـــدَا التَّشَكُّكُ حَارِسًا ومُلازِمًـا
ونَرَاهُ جَهَّزَ في الحَنَايا مَرْقَـدَهْ
وبَدَا لسُوءِ الظَّنِّ بَاعٌ أَطْوَلٌ
وغَدَتْ جُهودُ المُخْلِصينَ مُبَدَّدَهْ
والحِقْدُ يَأتي بالمَهَالكِ والرَّدى
بلْ سَالِبًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَجْوَدَهْ
والكُثْرُ بُوقٌ؛ للمثالِبِ مُعْلِنٌ
والنَّذْرُ مَنْ عَرَفَ البَهِيَّ ورَدَّدَهْ
سَاءَلْتُهَا ومَضَيْتُ دونَ إجابةٍ
فأجابني صَوْتٌ يُزيحُ تردُّدَهْ:
يا صاحبَ الشِّعْرِ المُقَيَّدِ خَطْوُهُ
أنتَ الذي عَاقَ الشعورَ وقَيَّدَهْ
ما ذَنْبُ بَحرٍ زاخِرٍ بلآلئ ؟!
يَهَبُ النفوسَ رُواءَها والأفئدَهْ ؟!
إنْ كُنتَ لا تُلْقي الشِّبَاكَ بِحِرْفَةٍ
حتى تُوَافَى بالبيوتِ مُجَدَّدَهْ
عَتباتِها، فَتَحَاتِها، نَغَمَاتِهَا
قَفَلاتِهَا، وسُقُوفِها والأَعْمِدَهْ
أو إنَّ فِكْرَكَ بالهُمومِ مُشَبَّعٌ
فَصِفاتُها وسِماتُها مُتَعَدِّدَهْ
أو قَيَّدَتْهُ يَدُ الجُمودِ ولمْ تَزَلْ
لَكَمَاتُها صَوْبَ الحديثِ مُسَدَّدَهْ
فاتْركْ لفِكْرِكَ في الفضاءِ عَنَانَهُ
حتى يُسَطِّرَ حُلْمهُ وتَمُرُّدَهْ
وسماؤنا إنْ أبْرَقَتْ أو أرْعَدَتْ
بالخيرِ تُمْطِرُنا بِكُلِّ الأصْعِدَهْ
وإذا صَفَتْ فبها الأمانُ لإنْسِنَا
والطَّيْرُ تَغدو أوْ تَروحُ مُغَرِّدَهْ
أمَّا التّشّكُّكُ والفسادُ فَمَا لهُ
سَبَبٌ سِــوى أنَّ الضَّمائرَ مُقْعَدَهْ
فارجِـعْ لتربيــةٍ وتعليمٍ تَجِـدْ
إنْ يُصْلَحَــا، كُــلَّ الدُّروبِ مُمَهـَّدَهْ
والدَّينِ والأخلاقِ قَبْلا، شَـاعري
بهمـا الخطايـا والذنوبُ مُبَدَّدَهْ
والبَّحرَ كِنْزًا والشَّبَاكَ مَليئةً
والبيْتَ تِلْوَ البيْتِ يَبْني المُنْشَدَهْ
فـي صَـدْرِهِ أو عَجْزِهِ مُتَأَنِقًا
يَهَـــبُ البَيَـانَ عَقيقَهُ بلْ عَسْجَدَهْ
وتراهُ يَأْتي ساحِرًا وبسِحْرِهِ
تَسْمو النفوسُ وتَسْتريحُ الأفْئدَهْ
والشِّعْرُ يَبْني في النفوسِ دَعَائمًا
تُعْلي وتَضْمنُ للتَّليدِ تَجَدُّدَهْ
بين الأُلى عَرَفوا البيانَ أيَسْتوي
مَنْ قَدْ يُساوي صَخْرَهُ وزُمُرُّدَهْ ؟!
فاحذرْ هُمومًا قدْ تَسُدُّ مَنَافِذًا
تُودي لفقْدِ الشِّعْرِ عِنْدَكَ مَوْرِدَهْ
فَقْدُ البيانِ لشاعرٍ كَمْ مُوجِع
كَمُصاحبِ الظَّلْماءِ يَفْقِدُ فَرْقدَهْ
واكْدَحْ بِجِـدٍّ ... مُوقِنًا برسالةٍ
فالجِـدُّ يُعطي للمُجِـدِّ تَفَـرُّدَهْ
اجْبُرْ بِهِ كَسْرَ المُصابين الأُلَـى
فَقَدوا الأحَبَّـةَ والظـُّروفُ مُشَدَّدَهْ
واكتُبْ لِلَيْلى واصِفًا حَالَ الهَوى
فالحرفُ في وصْفِ الهوى ما أَسْعَدَهْ
والحرفُ إنْ تُسْعِدْهُ تَلْقَ أَريجَهُ
ونَقَاءَهُ وحَنَانَهُ وتَوَرُّدَهْ
فاملأْ قُلوبَ العاشِقينَ سَعَادةً
وعُيونَهمْ وعُقُولَهـــمْ والأَوْرِدَهْ.
والحُسْنُ في صِدْقِ المشاعرِ دائمًا
في كَوْنِها رَقْرَاقَةً مُتَوَدِّدَهْ
والقولُ إنَّ الكِذْبَ يُعْلي شَاعِرًا
كالقولِ إنَّ العَبْـدَ يُعْلي سَيِّدَهْ