أنا والشِّعرُ
:
في رحاب يائية أبي الطيب المتنبي الرائعة:
( كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا)
:

كَفى بيَ أُنسًا أن أرى البحرَ صَافيا
وحسبي نسيمٌ للهمومِ مُداويا
وزرقةُ موجٍ لا مثيلَ لحسنه
ودرٌ يتيم لا يتاحُ؛ تعاليا
فأُلقي شباكي، والحصادُ فرائدٌ
وأنظمُ نبْضي واصِفًا فيه ما بِيَا
وأملأ صدري بالنقاءِ، وبالصَّفا
وأُحكِمُ بوْحي؛ عجْزَهُ والقوافِيَا
أسامِرُ خِلا، أو أواسي مُثَقَّلا
أُدندِنُ همْسًا، أو أردِّدُ عاليًا
أوصِّفُ حالا فيه توثيق ما جرَى
أهنيءُ قومًا، أو أسوقُ التعازيَا
يؤوبُ بهِ فيضُ المشاعرِ دافقًا
فيرتاحُ قُرْبي بعدَ أن كان نائيَا
وأنصرُ حقا، أو أُفنِّدُ باطلا
وأُثني على من يستحقُّ ثنائيَا
وما كان نقدي قسوةً أو تحامُلا
ولا كان بوحي في الثناءِ مُغاليَا
أصوغُ بحرفي ما يجولُ بخاطري
ضَحوكًا أَلوفًا، أمْ عَبوسًا مُجافيَا
إذا كان حُلمًا، أو خَيِالا أظنُّهُ
أو إنْ كان حقًّا للنواظرِ باديَا
إذا أرقتني في المساءِ هواجسٌ
فصُبْحي سيأتي من هموميَ خاليَا
وأنسج بُرْدًا بالأماني مُرَصَّعًا
يُزينُ الكُماةَ المخلصينَ الغَوالِيَا
وإعْمالُ عقلِ المرءِ فيه فلاحُهُ
وما كلُّ خيرٍ قد يُعدُّ مِثاليَا
فما كلُّ منْ لمْ يدركِ الفوزَ مُذْنبٌ
ولا كلُّ سبقٍ يستحقُّ التفانيَا
فكمْ منْ مُجيدٍ مسَّهُ الخُسْرُ والضَّنى
وكمْ من مُسيء قدْ ينالُ الأمَانيَا
وما كُلُّ كسْبٍ يُفرح المرءَ لو وَعى
ولا كلُّ خُسرٍ يجعلُ القلبَ باكيَا
ولكنَّ إخلاصًا وحسنَ سريرةٍ
وتطويرَ ذاتٍ يجعلُ القلبَ راضيَا

د. محمد عاصي