سَطَعَ الهُدى و انْجَابَتِ الظَّلْمَاءُ والنـــــورُ بَـــــادٍ ما لَـــــهُ إِطْفَاءُ
فَزِعَتْ بِهِ مُهَجٌ تَعَامَتْ و اخْتَفَتْ من وَقْعِهِ أصـــــــواتُها الهَوْجَاءُ
رَاعَ الدُّنَى لَمَّا تَلَأْلَأَ فانْزَوَتْ مِنْ خَشْيَةٍ ، و تَخَفَّتِ الأَصْدَاءُ
أَلِفُوا الظلامَ فما اسْتَفَاقُوا بُرْهَةً حتى سَرَى في العالمينَ ضِيَاءُ
و إِذَا بِصَحْوَتِهِ تَلُوحُ كَأَنَّــمَــا فَرَّتْ فُلُولُ الليلِ و الإِمْسَاءُ
و الفجر أَوْشَكَ و السَّنَا و الخَيْرُ أَقْـ بَلَ و المُنَى وغَدٌ لَهُ بُشَرَاءُ
و أَشَدُّ أَمْرٍ أن يُفَارِقَ ظالمًا أَمْسُ الظلامِ و تُبْصِرَ الأشياء
و يَسِيرَ في رَكْبِ الهُدَاةِ كَوَاكِبٌ ويَنَالَ من سُقْيَا الضياءِ ظِمَاءُ
حَمَلُوا المَشَاعِلَ في الدُّجَى فاستبشرَت أَكْنَافُ بَيْتِ المَقْدِسِ الغَرَّاءُ
لولا الخيانةُ ما تَجَاسَرَ مُجْرِمٌ في رَبْعِهَا، أو رُوِّعَ الأُمَنَاءُ
أَدْجَى بِهَا ليلُ النفوسِ و طَالَمَا غَدَرَتْ بِهَا فاشْتَدَّتِ البَأْسَاءُ
إِنْ كان يُهْتَكُ نورُها فبِسَاحِهَا تَبْنِي العُلاَ بدِمَائِهَا الشُّهَدَاءُ
نورٌ به الأقصى تَشَرَّفَ و ازْدَهَى وأَعَزَّهُ بالمصطفى الإسراءُ
واللهُ يفعل ما يشاءُ ، إذا قضى أَمْــــــرًا فما لِقَضَائِهِ إِرْجَاءُ
سبحانَ من أسرى به ليلًا،كما يسري الضياءُ و حُسْنُهُ وَضَّاءُ
في بُرْهَةٍ كالطَّيْفِ مِنْ حَرَمٍ إلى حَرَمٍ، و تلك الرِّفْعَةُ العَلْيَاءُ
فزَهَتْ به الدنيا و بُورِكَ حَوْلَهَا كَرَمًا، و قُدْسُ اللهِ و الأَنْحَاءُ
و على البُرَاقِ قَدِ اسْتَوَى في رِحْلَةٍ رُوِيَــتْ فأَكْبَرَ شَأْنَهَا العُقَلَاءُ
حَقٌّ لَهُ عَنَتِ الوجوهُ وأَشْرَقَتْ بِسَنَاهُ أَفْئِدَةُ الأُلَى قد فَاءُوا
رُوحٌ مِنَ الفرقان تَهْدِي أُمَّةً أَزْرَتْ بِهَا الأهوالُ والأَهْوَاءُ
أَمَّ النَّبِيئِينَ الذينَ تَنَعَّمُوا بالخُلْدِ مُرْتَفَقًا وهُمْ أَحْيَاءُ
أَعْظِمْ بِهِمْ حَمَلُوا أمانةَ ربهم وأَتَوْا بفَوْزٍ في المَعَادِ و جَاءُوا
والخيُر في لَبَنٍ فبُشْرَانَا بـــه ولنَا بفَضْلِ صفائهِ النَّعْمَـــــاءُ
شَرَفٌ تعــــالى قَدْرُهُ و مَزيَّةٌ خَجِلَتْ لِفَيْضِ ضِيَائِهَا الأضواءُ
عَجِبَتْ له الألباب كُلَّ تَعَجُّبٍ واحْتَارَ في أســـراره الفُهَمَاء
في ليلةٍ غَشِيَ السماواتِ العُلا قمر الهُـــدَاةِ ووَجْهُـــــهُ لَأْلَاءُ
والروح نَاضِرَةٌ ترى من ربها أَجْلَى العجائبِ، والفؤادُ نَقَاءُ
والحقُّ مُؤْتَلِقٌ و فيض جلالِه بشرى تُــزَفُّ و عِــزَّةٌ و عَــــلَاء
وسَمَا فآياتُ الإلهِ تتابعَت تَتْرَى، و في آيِ الإلهِ غَنَاء
لا أُفْقَ يعلو أُفْقَهُ أو منزلٌ يَعْلُوهُ أو شمسٌ ولا جَوْزَاءُ
فإذا تَسَنَّمَ فوقه مُتَسَنَّمٌ وإذا سما فوق السماءِ سَمَاءُ
جبريل يفتحُ و الملائكُ حولَه والصدق يرقى و الغُيُوبُ جَلَاء
فكأنما الآفاقُ عُرْسٌ و المَدَى نــورٌ بـدا بـمـحـمـدٍ و سـَنَـــاء
و تَلَأْلَأَتْ أرجاؤها حتى غَدَتْ نُـزُلًا لـطـــه و الـبـَهَـاءُ بـَهَـــاء
و لقد رآهُ بمُنْتَهَى مِعْرَاجِــــــــهِ واسْتَقْبَلَتْهُ السِّدْرَةُ العَصْمَاء ُ
هل بعد ذلك نِعْمَةٌ و مَكَانَةٌ أو عـِزَّةُ يَـرْنُو لـــها العظـــــماء ؟
هو سَيِّدُ الأَرْسَالِ حَاشَا غيرُهُ في الدين و الدنيا له استعلاء
عَيْنَ الكمالِ وتاجَه وسِرَاجَهُ رَوْضَ الْجمالِ هُدَاكَ منكَ دواء
أنتَ العلاجُ لمعشرٍ عَصَفَتْ بهم في العالمينَ عواصف هوجـــاء
و نَعَى النُّعَاةُ إلى الحياةِ حياتَهم وقَضَى الأُسَاةُ، وعَمَّتِ الأَرْزَاءُ
مُتَفَرِّقُــونَ فجُلُّــــهُمْ لنُفُوسِهِمْ أَسْرَى، و في كُلِّ الثَّرَى أعداء!
سارت بهَدْيِكَ أُمَّةٌ و تَنَضَّــــرَتْ بسَنَــاكَ شِرْعَـــــةُ رَبِّـــهَا الغَـــــرَّاء
وسَمَتْ بها فالمجدُ من آياتها شَــرَفًا، و أبنـــاءٌ لَـهَا سُعَـــــــدَاءُ
أنتَ الرجاءُ و أنت للدنيا هُدًى وهُدَاكَ حِصْنٌ للوَرَى ووِقَاءُ
هل مِثْلُ أَحْمَدَ في العُلَا أو مِثْلُهُ في قِيمَةٍ دَانَـــتْ لها الأشياء ؟
شَرُفَتْ به الدنيا و كان لِنَهْجِهِ صَـــرْحٌ بها قد شَادَهُ العُلماء
حتى إذا نَضَتِ البَرِيَّةُ نورَه سادت بكُلِّ ربوعِها الظَّلْمَاءُ
ظَلَمُوكَ يا مَسْرَى الحبيبِ و أَضْرَمُوا نارًا بسَــاحــــــِكَ ما لها إِطْفَاءُ
هَتَكُوا ضِيَاءَكَ و اسْتَبَاحُوا عِرْضَهُ! ومَقَامُــكَ السَّامِي رَوَتْهُ دِمَاءُ
سَرَقُوا سَلاَمَكَ و الأَمَانَ و أَحْكَمُوا ذُلَّ الحِصَارِ وعَمَّكَ الإِدْجَاءُ
و اسْتَوْطَنُوكَ فبَاتَ أَهْلُكَ شُرَّدًا لا أرضَ تُؤْوِيـــهِمْ، فهُمْ غُرَبَاءُ
ظَلَمُوكَ و الدنيا هَوَانٌ و الأسى في كل أرضٍ والحياةُ شَقَاءُ
نَادَيْتَ إِذْ نَادَيْتَ و الغَاشِي يَدٌ تسعى بكل رَزِيَّـــــــةٍ، و بَلَاءُ !
نَادَيْتَهُمْ إِذْ أَنْظَرُوكَ وقَـلَّـمَـا سَمِعُوا نِدَاءَكَ و القلوبُ جَفَاءُ
لَهْفِي عَلَيْكَ ! و ما يُفِيدُ تَلَهُّفِي ؟ وحُمَاةُ عِرْضِكَ دَأْبُهُمْ إِغْضَاءُ !
غَدَرَتْ بِكَ الدنيا و كُلُّ شِعَارِهَا إِفْكٌ، وأَدْجَتْ أُفْقَكَ الأَهْوَاءُ
أين الضِّيَاءُ إذا الخُطُوبُ تَتَابَعَتْ والليلُ دَاجٍ و الصباحُ مَســــــَاءُ
و إذا تَرَكْنَا القُدْسَ في يَدِ جَائِرٍ تَجْنِي الخَرَابَ فنَحْنُ نَحْنُ الدَّاءُ
"صُهْـيُونُ" جُرْتُمْ مَرَّتَيْنِ، فأَبْشِرُوا! بِحُلُولِ وَعْدٍ ليسَ فيه مِرَاءُ
مَسْرَى الرسولِ لَسَوْفَ تُشْرِقُ شمسُنَا تَجْلُو الدُّجَى، و تُحَرَّرُ الأَنْحَاءُ
حتى إذا رَفَعَ الصباحُ لِوَاءَنَا سَطَعَ الهُدَى وانْجَابَتِ الظَّلْمَاءُ