ما زِلْتُ حَيَّاً


شعر محمد صافي



مَا بَالُهَا الأَشجارُ تَذْرُفُ دَمْعَةً
وَأنا على جذعِ الأَسَى
فِي جُعْبَتِي غُصْنٌ مِنَ الزَّيْتُونِ
تَرْوِيهِ الْعُرُوبَةُ مِنْ دَمِي ...

يَا حَامِلي الأَوهَامَ أَيْنَ قِيَامُكُمْ
بَانَتْ خَبَايَاكُمْ فَلاَ تُلْقُوا عَلَيَّ عَزَاءكُمْ
الصَّمْتُ خَاطَبَ مُهْجَتِي
عَنْ ظُلْمِكُمْ ... عَنْ حِقْدِكُمْ
فَلْتَصْلِبُونِي وَاقْتُلُونِي وَاصْنَعُوا
مِنْ لَحْمِ قَلْبِي ثَوْبَكُمْ
وَمِنَ العِظَاْمِ تَقَاْسَمُوْا
لا دَمْعَةٌ فِيْ مُقْلَتِيْ تَشْكُوْ ذِئَاْبَ الغَدْرِ
لَوْ نَهَشَتْ عِظَاْمِيْ عِنْوَةً

ما زِلْتُ حَيَّاً أَغزُلُ الأَشْعَاْرَ
مِنْ نَسْلِ العَنَاْكِبِ فَوْقَ مِرْآةٍ تَحَطَّمَ شَكْلُهَاْ
لا تَسْأَلُوا عَنِّيْ أُجِيْبُ فَإِنَّنِي
حِبْرٌ تَهَمَّشَ بَيْنَ أَوْرَاْقِ الزَّمَنْ
إِسْمِي فِلِسْطِيْنُ الهَوِيَّةِ لَوْ بَحَثُّمْ عَنْ مَكَاْنِي
فَابْلِغُوْنِيْ سَوْفَ أَبْكِيْ لَحْظَةً
قبلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ لِنَكْبَتِي
هَذَا الزَّمَانُ يُنَقِـّبُ ...
عَنْ ثورةٍ فِيهَا الْوَفَاءُ سَنَا
وَيَرْبُو فِي الرؤى

ما زِلْتُ حَيَّاً مِثْلَ طَيْرٍ يَحْمِلُ الأَوْهَاْمَ فَوْقَ جَنَاْحَهُ ...
الْعَيْنُ لاَ تَبْكِي فَكَبَّلَهَا الْعَمَى
وَالرِّمْشُ قَالَ بِرَعْشَةٍ
إنَّ الْمَسَاءَ تَأَرْجَحَا

لا تَسْأَلُوْنِي عَنْ وَفَاْءٍ فِي حَجَرْ
ما زِلْتُ أَبْحَثُ عَنْ دِيَاْرِيْ فِيْ السَّحَرْ
ذَاْكَ المُخَيَّمُ لَيْسَ أَرْضِيْ
أَعْرِفُ السَّبَع وَحَيْفَاْ جَاْءَ فِيْ كُرَّاْسَتِيْ مُنْذُ الصِّغَرْ
هَذِي البِلادُ بِلادُنَاْ لا تَنْحَنِيْ مَهْمَاْ الظَّلامُ تَمَرَّدَا
يَا نَجْمَةَ اللَّيْلِ الْجَمِيلِ فَأيْنَ أَنْتِ
مِنَ الظَّلَامِ حزينةً
أيُّ الدَّقَائِقِ وَالثَّوَانِي فِي رِحَالِ المُنْتَقِمْ
عُودِي كَمَا الْمَاضِي
فَلنْ أَبْكِي لأنَّ الْيَومَ قَلْبِي قَدْ بَكَى

فَلْتَفْرَحِي وَتُزَغْرِدِي يَا قَلْعَتِي ...
الوَقْتُ يَسْرِقُ نَفْسَهُ
يَتَقَرَّبُ وَيُهَيِّئُ اللَّونَ البَغيظَ
بِطَاقَةً لِمُرُورِنَا عَبْرَ الأنينِ بِشاهدِ الليلِ الْكَحِيلِ
كَأَنَّنَا فِي الدَّرْبِ نَمْضِي وَحْدَنَا

فَبِكُلِّ مَنْدِيْلٍ سَلامَاً قَدْ تَعَطَّرَ مِنْ عُيُوْنِ الأُمَّهَاْتِ
بِلَيْلَةٍ فِيْهَاْ الدُّمُوْعُ نُزُوْلهُ فَاْقَ المَطَرْ
إِنَّ البَنَاْدِقَ تَسْتَرِيْحُ هُنَاْ قَلِيْلاً تَشْتَكِيْ صَمْتَاً أَلا أَنْتُمْ بَشَرْ !
لنْ تَأْسِرُوْنِيْ مَيِّتَاً
ما زِلْتُ حَيَّاً فَوْقَ أَرْضِيْ مِنْ لِواءِ المجدِ أَصْنَعُ قُوَّتِيْ
وأقودُ مملَكَةَ الوفاءِ بثورتي