لم يحمل الليل إلى محمد حامد الرواسي..فرحا ! بل إن النوم هرب مبتعدا، لايغمض عينيه! بسبب الكوابيس المزعجة التي باتت تنتابه.. كلما تذكر التقاعد الوشيك ينقبض قلبه فى ذعر، ماعاد الزمن الذى يعبره بسرعة البرق، ويقطع فى جسده بنصله الحاد فتتداعى أعضاؤه الواحد تلو الآخر المعدة بقرحها، البنكرياس بفشله والقلب الذى شاخ وتتساقط أوراق العمر البخيلة يوما بعد يوم، يبشره بالخير، واقعه ينذره بحياة بغيضة تنتظره بين جدران هذا المنزل العتيق..تقلبت بجوارة ببطء، وتدردق اللحم المترهل يتبع بعضه، نظر إليها بمنظاره الأسود وتمتم:
ــ من هذه المرأة العجوز البدينة التي ترقد فى جواري؟
لأول مرة يتصفح عمرها، ويتمعن فى ملامح وجهها المتقضن، فيري تفاصيل حياته، لقد ملأت عليه سكرتيرة مكتبه فجوة فى جوف قلبه حجبت عنه رؤية زوجته وهي تشيخ، كان معها ولايراها، ولكنه الآن بصره حديد، صار يحصي لها انفاسها، كره كل ماتقوم به، رفض طعامها منذ أن استشعر الفراغ الذى سيعيشه، وهى مازالت تقوم بأعمالها المنزلية على أكمل وجه، كره صوتها صار يضع سماعات فوق أذنيه حتى لايتبادل معها الحديث، رفض جلوسها معه فى غرفة التلفزيون كره ضحكتها المرحة، كره رائحة جسدها المكدس المترهل،كره حركتها السلحفائية فى انحاء البيت، صعود السلم وهبوطه وأنفاسها المتلاحقة.يستدعي طيف الحبيبة فيتلاشي من ذاكرته، ويقفز أمامه طيف زوجته، فيمتم غاضبا:
ــ يا إلهي بت أكرهها لماذ لا أتقاعد عن الحياة الزوجية أيضا؟
نهض مسرعا من على سرير الزوجية الذى تآكل وانكمش، عندما تمددت الأجساد الهرمة، هاربا من أفكاره، فتعثر بسرواله وسقط أرضا، محدثا دويا عاليا.
فى المشفى أفاق من غيبوبته على يد حانية تمسح على جبينه..همست له بحنو بالغ:
ـ أرجوك لاترحل وتتركني وحيدة.. أحتاجك
رفع أجافنه المثقلة، وتعثر فى المشي!


توكأ عليها مستندا، وحمل أدويته وغادر المشفى إلى بيته العتيق طائعا مختارا..
قبل يدها ممتنا ورفع بصره ! هامسا:
ــ يجب الحفاظ على مانملك مادمنا نملكه...