|
جاء فصلُ الربيع بعد انتظارٍ |
فتلاشى نفوذُ فصْل الشتاءِ |
لم نعدْ نسْمع الرعودَ تدوِّي |
أوْ نَرى البرْقَ لامعًا في السماء |
أبدًا لمْ يعدْ يشنُّ عَلينا |
بردُ فصل الشتاء أيَّ اعتداءِ |
فخلعْنا ملابسَ الصوف عنَّا |
و ارْتدينا ثيابَ فصل البهاءِ |
و انتهينا ممَّا جناه علينا |
مِنْ زكامٍ و كحَّة و عناءِ |
إنَّ برْدَ الشتاء كمْ ليْلةٍ عافَ |
الحشايا و بات في الأَحشاء |
خيّم الدفْءُ بعد أَن سيْطر البردُ |
طويلاً على رحاب الفضاء |
بعد فصْل قسا علينا و جدْنا |
في حَنان الربيع خيرَ عزاءِ |
إنَّ فصْلَ الربيع ما كان يومًا |
قاسيًا مُتْعِبًا كفصْل الشتاء |
لم تعدْ تشتكي النفوسُ و يكْفي |
أنَّها بعْد شدَّةٍ في رخاء |
جاء ما كان للنفوس انْشراحًا |
و على البرد كان سوْط بلاء |
إن فصْلَ الربيع فصلُ اعْتدالٍ |
و جمال و رحْمةٍ و سَخاءِ |
كُسي الكونُ من جميع النَّواحي |
بثياب الصفاءِ و النعْماءِ |
ظهر الغصنُ من جديدٍ سعيدًا |
وأنيقًا بالبدلة الخضْراءِ |
و الرّبى بعد عرْيِها لبستْ ثوبًا |
من الزهر وهْو أزْهى كساء |
وبدا البدرُ بعد طول احْتجابٍ |
يملأُ الأفقَ بالسنا و الضياء |
لمْ يعُدْ يعرف الهزار سكوتا |
بل غدا دائمًا حليفَ الغناء |
صار يقضي النهارَ دون اضطرابٍ |
مُسْتلذًا لطافةَ الأجواءِ |
طالما حمَّلتْه أيامُ فصْل |
البرْد و الريح كثرةَ الأعباء |
ذاع عطرٌ من الزهور زكيٌّ |
في جميع الجهاتِ و الأَرجاء |
أظهر الحقلُ ما احْتوى مِن كُنوزٍ |
لم يدعْ ما لديه ملْءَ اخْتفاء |
و جرى النهرُ صافيًا و نقيًّا |
وارْتوى الناسُ منه خيرَ ارْتواء |
ونسيمُ الصباح هبَّ برفْقٍ |
و حنانٍ على الربى الخَضراء |
إن طيبَ النسيم يقضي على داء |
الأسى فهْو ضدَّ هذا الداء |
و نما العشبُ في الأراضي كَثيفًا |
و عليها غدا كشكْل الغطاء |
لثم النحلُ في الصَّباح وُرودًا |
بحنان و رقَّةٍ و انْتشاء |
وتجلَّى الفراشُ رسْما بديعًا |
و جميلاً يطيرُ في الأجواءِ |
لم تحسَّ الخرافُ بالجوع بل صار |
لها في السُّهول أشْهى غِذاء |
طار سرْبُ الحمام بعَد أَنِ اقْتاتَ |
من الروض عاليًا في الفضاء |
ضمَّ فصلُ الربيع عكْس فصول |
العام شتَّى الزهور و الأشذَاء |
إنَّ فصلَ الزهور و العطر و السحر |
وفصْلَ الصقيع ما بسَواء |
كاد سحرُ الربيع يجْعلُ حسًّا |
و شُعورًا للصَّخرة الصماءِ |
إنَّ وجهَ الربيع جدُّ بشوشٍ |
و ضحوكٍ خلافَ وجْه الشتاء |
أبدًا لا تملُّ أَيَّامُ فصلٍ |
مُترعٍ بالجمال و السَّراء |
إن فصْلَ الربيع يحْمل عيشًا |
مُسْتطابًا لكافَّة الأحياء |
إنَّ ما أظْهرَ الربيعُ من الإبْ |
داع أذْكى قَريحةَ الشُّعراء |
نظموا فيه كمْ قصيدٍ بديعٍ |
جابَ معْناهُ كافَّةَ الأرجاء |