حُــداء مُــهاجِر
شعر :- عبدالسلام جيلان
مـن ذا يَطُـولُ غيابُـه كغيابـي؟!
فلقد طوى طولُ الغيـاب شبابـي!
و مكثـت أنتظـرُ الإيـابَ بلهفـةٍ
حتـى تَعَـذَّرَ واستحـال إيـابـي!
لأرى الفؤاد غدا حبيـسَ مغـارةٍ
تغشـاهُ فيهـا حيـرةُ المرتـابِ
تضنيه أشجـانٌ فتذكـيَ شوقَـهُ
و حنينَـهُ للأهـل والأصـحـاب
أما الرفاق فقد مضـوا لسبيلهـم
رحلوا ، فودعهـم فـؤادي باكيـاً
ومُعَبِّراً - بمـرارةٍ - عمَّـا بـي
رحلوا كأسراب الطيور ، فليتنـي
أقوى على التحليـق كالأسـراب
أترى أعـود وألتقـي بأحبتـي ؟!
أم أننـي أسعـى وراء سـراب !
إنِّي أَتوق لأن أعانق موطناً
(جُــبَـنَ) التـي ظلـت نشيـداً خالـداً
أشدو بهِ فـي غربتـي وغيابـي
فَتِلالُهـا نعـم المـلاذ لمهجتـي
وحقولهـا مُتَنَفَسِـيْ ورحـابـي
فمتـى أعانـق دفئهـا وحنانهـا؟
ومتى يُـسامرُ سحرُها أهدابي؟!
الله كـم تحلـو بحسـن قبابهـا!
أمـا مآذنُهـا العـظـامُ فإنـهـا
أعجوبة سحـرت ذوي الألبـاب!
لشمـوخ ( قلعتهـا) أزفُّ تحيـةً
وأبـوح بالتقـديـر والإعـجـاب
وأبثُّ في الآفـاق عطـرَ محبـةٍ
( للعامريـة) ملتقـى الأحـبـاب
لرحـاب مسجدهـا أذوبُ تَشَوُقـاً
وأتوقُ للصلـوات فـي المحـراب
أما الحنين إلى ( القُرَيْنِ) فلـم أزلْ
و( القُفل) أضحى يستثير مواجعـي
في قسـوةٍ باتـت تثيـر عذابـي
والشوق ماضٍ في خضم مشاعري
لم يصغِ يومـاً سمعُـهُ لعتابـي
ورياحه مـا إن تهـب بخاطـري
حتـى أفـارق مأكلـي وشرابـي
يا شوق رفقـاً بالغريـب وحالـهِ
فالدهر يرشـق صـدره بحـراب
يكفيه بؤسـاً ان يهيـم مهاجـراً
أو يبتلـى بمتاعـبٍ وصـعـاب
لكنمـا عفـو الإلــه مــراده
رباهُ فاغفرْ زلتـي، فأنـا الـذي
أسرفت في تهويل حجـم مصابـي
قد حدت عن عين الصواب مبالغـاً
لولا الحنين لمـا فقـدت صوابـي
لكننـي لجميـل عفـوك راجيـاً
فاختم خواتيمـي بحسـن مآبـي
الكلمات التي بين الأقواس:
1. جُـــبَــن (بضم الجيم وفتح الباء): مدينة يمنية صغيرة تقع وسط البلاد، وهي مسقط رأس كاتب الأبيات.
2. القلعة: حصن أثري شهير يقع على سفح تل صغير يعرف باسمه.
3. العامرية: مسجد تاريخي شهير في المدينة، ويعود زمن بنائه إلى فترة حكم الملك/ عامر بن عبدالوهاب أحد أشهر ملوك اليمن في التاريخ الوسيط.
4. الــقُــرَين: (بضم القاف وفتح الراء): ربوة متوسطة الارتفاع تحيط بالمدينة من الجهة الجنوبية.
5. القُــفْل: تل متوسط الارتفاع يقع إلى الشمال الشرقي من المدينة.