اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء عبد الله مشاهدة المشاركة
تحت سقف المستبد

خلع الصبح ظلمة الليل وأشرقت السماء بإطلالته وغرد الطير بأجوائه وتعطر بعبق الزهور وبدأت رائحة الخبز تفوح من كل الأرجاء..
إستنشقتْ بعض من نسيم الصباح؛ بعد أن اتمت الخبيز اليومي وكلها خشية من بعض سحب تداعت في أطراف السماء كي لاتجلب الريح مالا يحمد عقباه.
وتنهدت بهمهمات :يالها من أيام تناهت وتداعت واغتالت من عمري أجمل أيام الصبا..
وتسارعت نبضاتها خوفا من المجهول، وسافرت مخيلتها لأبعد حدود وهي منهكة في إعداد مائدة الأفطار:
واستفاقت من حلم اليقظة الذي واسى ،خواطرها لزمجرة الزوج المستبد :عجلي بالإفطار ياامرأة.
جلس الجميع على مائدة الصباح، نظر الأب للجميع نظرة إمتعاض بوجه مشحون بالكبرياء متوقد بهمجية الإستبداد، لم تلفت إنتباه الزوجة المنكبة على ترتيب المائدة بما يناسب الجميع لإرضاء أذواقهم ؛
أو لربما اعتادت على هذا السياق الروتيني لمزاج الزوج الذي عكر حتى الماء وليس الأجواء فحسب
نادى الإبن الأكبر: أمي الخبز بعيد المنال ، ومع إنه أقرب الى أبيه لكنها من أتت به اليه .
تأمل الآخر: ياله من إفطار كالأمس مللت منه.
صرخ الأب بوجه الزوجة : هذا من سوء تدبيرك وتقصيرك في تربيتهما لاجدوى منك أبدا..
صمت يطبق على المكان.
دردشة مهموسة بين الأخوين فيما بينهما لحديث هموم الدراسة
وإذا بصيحة مدوية كتلاطم موج على الصخور محمل بالرذاذ :هذا هو حال ولديكي مثلك تماما ثرثرة وقلة ادب، لو كنت قدوة حسنة لصلح البيت بمن فيه.
وإلتفت إليهما بعد إفراغ شحنة الغضب بالزوجة المسلوبة الإرادة :وأنتما: سكون..
تمتم الصغير: ألسكون أم الضم ..
فتحشرجت قهقهات في حلقومه تكاد تنفجر لولا خوفه على أمه التي تطالع بعين كسيرة تتوسله السكوت وإلتزام الصمت .
سارع الإبن الكبير ليتدارك الموقف: أبي اليوم يبدأ درسي الخصوصيّ
فرد أبيه (أبوه) :وبعد !
قطب جبينه إستعدادا للتوبيخ مع إن إبنه إستخلص موافقته مسبقا!
فاسترسل الإبن: هذا يعني إن المُدّرِس يطالبني النقود !!
فالتفت الزوج إلى الزوجة :يا لأبنائك هذا نتاج أخطائك ،أنت لاتصلحين أن تكوني أم (أما) بل حتى زوجة ،لاأعلم مالذي يجبرني على إبقائك مللت منك ومن أبنائك ..
ونهض من على المائدة وهو يزمجر ويتهدد ويتوعد ويتأفف ويشتم ويهين.
وما كان منهاإلا السكوت والرضوخ مع بعض المحاولات العسيرة لتهدئته ولكن دون جدوى.. لقد اعتادت على هذا الوضع فلاحول ولاقوة
خرج الأب المستذئب.. والأولاد ،كلاً (كلٌّ) لوجهته .
إستغلت وحدتها كعادتها ووضعت همومها في رفوف النسيان ولو لحين،
وتبسمت مع مرآتها لاعتلاء شمس الحرية في سويعات الوحدة رغم قهر الزوج والاعياء الذي يصيبها من دوامة العمل البيتيّ ،وياليتها إكتفت بأعباء المنزل.
وانطلقت لترتيب البيت وهي تمسح البلاط برشاقة وتتراقص مع أنغام حفظتها منذ الصغر كفراشة تتطاير من بين ركن وركن..عادت لحلمها الجميل وهي تداعب أدوات المطبخ بين إنشاد وغناء وترانيم محاولة منها لفسحة مشحونة بسعادة مؤقتة تضيف البهجة والسرور لمحياها بعد ان أنهكها الصراع اليومي الدائر في رحى الزوج المتتشدد والمتصلب الطباع، وماتملك سوى هذه اللحظات المنفردة لتعزف لحنا يفضي إليها جمالا ؛لم يلتفت إليه أحد ! و هي تتخيل نفسها سندرلا الشرق التي لاتستنشق رائحة الحرية وإن فعلت ! ستكون نكرة .مع يقين قد ترسخ في ذاكرتها ممااكتنزته من العصور البائدة؛ أن تحال الى رماد.. كي ينشأ ابناؤها في هذه الحياة تلك قناعتها، وكل من حولها؛ الرضى بالمقسوم .
وكعادة ذلك الزوج عاد في المساء ولازالت نبرة التذمر والمسحة الأستبدادية المهيمنة على شخصيته يعتليان جبهته المقتضبة وفكره المتصلب بعد إن إستقبلته الزوجة بحنان واهتمام.
زأر بغرور: جهزي العشاء.
ولم يلتفت إلى المنزل المريح النظيف وإلى الزوجة التي تزينت إكراما له ووضعت الأبناء في أسرتهم لكي يحظى هو بجلسة هانئة ،
وبعد العشاء..نظر إليها مشيرا باتباعها له بكل عنجهية وكبرياء ..
وما كان منها إلا الرضوخ وشفاها تتمتم باابتسام الدرس اليومي الذي طالما تلقته منه ..
===

الأديبة السامقة الصادقة : شيماء

تحية من القلب لقصتك الإنسانية بسردها الجميل الذي جسد المفارقة بين جمال الطبيعة وسحرها وكآبة الواقع وقسوته


اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء عبد الله مشاهدة المشاركة
تحت سقف المستبد

خلع الصبح ظلمة الليل وأشرقت السماء بإطلالته وغرد الطير بأجوائه وتعطر بعبق الزهور وبدأت رائحة الخبز تفوح من كل الأرجاء..

..


وكم كان الانتقال ذكيا من وصف الزمان إلى رائحة المكان ومن تصوير المشهد الخارجي إلى تجسيد طبيعة الشخصية

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء عبد الله مشاهدة المشاركة
تحت سقف المستبد

خلع الصبح ظلمة الليل وأشرقت السماء بإطلالته وغرد الطير بأجوائه وتعطر بعبق الزهور وبدأت رائحة الخبز تفوح من كل الأرجاء..
استنشقتْ بعضا من نسيم الصباح؛ بعد أن أتمت الخبيز اليومي وكلها خشية من بعض سحب تداعت في أطراف السماء كي لاتجلب الريح مالا يحمد عقباه.
..


وكانت لفتة فنية رائعة أن يتيح لها السياق القصصي مساحة للهروب من قسوة المكان إلى رحابة الذكرى

حتى ولو لم تكن


اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيماء عبد الله مشاهدة المشاركة
سوى هذه اللحظات المنفردة لتعزف لحنا يفضي إليها جمالا ..
وجاء التصغير الصرفي في " سويعات الوحدة" معبرا بصدق وجمال


أما النكتة التي "تمتم" بها الصغير فهي إشارة في غاية الذكاء إلى لجوء المضطهدين إلى سلاح النكتة في ظل هيمنة القهر والاستبداد كما تشي بقدرة فنية راقية في توظيف الأدوات الفنية ومستويات التعبير بما يتسق مع طبيعة التجربة والشخوص


أديبتنا الصادقة

سلمت
ودمت بكل الخير والسعادة والألق