اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صهيب توفيق مشاهدة المشاركة
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

استيقظَ في صباحِ ذلكَ اليومِ فَزِعاً من كابوسٍ يوميِ يراوِدُه فيعيدُه إلى ماضٍ مستعصٍ على النسيانِ مصممٌ على البقاءِ في الحاضرِ وحتى في المستقبلِ فيجعله يعيش في صومعةٍ لا يخرجُ منها.

قامَ وغسلَ وجهَهُ ، رفعَ رأسَهُ لينظرَ في مرآتِهِ مُحدِّثاً نفسه عن سببِ ملاحقةِ ذلكَ الماضي له، أغمض عينيه لبرهةٍ وفتحهما ليرى أنَّ الماضي تجسدَ في صورتِه، هربَ مسرعاً من ذلك المنظر ليخرجَ من بيتِه.

هام في الشوارعِ بلا هدفٍ ، كأنَّ الشيطانَ تخبطَه منَ المسِّ فلا يرى إلا صورة الماضي في وجوه الناس ولا يسمعُ إلا ذلكَ الصوتِ الذي يجذبه بقوةٍ مغناطيسية ليعيده إلى ذاك الزمان ، بلحظاتِ استفاقتِه يسمعُ أصواتاً تصرخُ ابتعد منَ الطريقِ ... انتبِه إلى السياراتِ ... هل أنتَ مجنون...
استندَ إلى جدارٍ ،التقطَ أنفاسَه، أوقف سيارةَ أجرةٍ وعاد إلى البيتِ. انعزل عن الناسِ ،أغلقَ بيتَه على نفسِه وقطعَ كلَّ وسائلِ الاتصالِ.
مرت أسابيع وشهور وهو مستسلم لألمِ الماضي وعذاباتِه كأنَّه مستمتعٌ بنهشِ الحزنِ لجسدِه واستنزافِه لقواه،شحبَ وجهه ونحل جسده وطال شعره ،أصبح كشبحٍ حقيقي.
حاول تهدأةَ نفسه والنهوض من جديد عادَ إلى مرآته ، نظرَ إليها أغمضَ عينيه لبرهةٍ ثم فتحهما فخَرَّ صَعِقاً.
1/10/2009
الأخ الفاضل والمبدع المتألق .. صهيب توفيق ..تحية طيبة ..
كلنا نعيش تحت قبضة الماضي ، لا يمكن أن ننفلت منه لأنه أصبح جزءاً من كياننا .. والغريب أننا نتذكر منه إلا الجانب السيئ والمظلم ..
بطل وقع تحت سلطة الماضي الذي أحاطه بسياج سميك ، بحيث لم يترك له منفذاً يتنفس منه .. فأصبح فريسة تنهشه الأحزان كلما تذكر وكلما أطل على تجاويف الذاكرة ..
والواقع أن الماضي لا يلاحقه ، بل هو الذي يلاحقه ويترصد له ، يتعقب الآلام والأحزان التي وقعت له ، يصنفها ويرتبها، كأنه يسجلها في شرائط مصورة بالأبيض والأسود حتى كون لنفسه أرشيفاً غير موثق .. يتميز بالعشوائية والضبابية .. كثرة تذكر الماضي مراراً قد يعرض الأحداث إلى الزيادة والنقصان والخلط بينها ..
فالأفعال الماضية /استيقظ / قام/ هام / استبد / حاول / .. يمكن اعتبارها دعامات لبناء النص ،بينها فواصل زمانية ومكانية .. نتج عنها وضعيات متعددة ،كل وضعية تفضي إلى أخرى .. سلوكات وأفعال خالها أنها سوف تنقذه لكنه وقع في شرك أكبر ..
فالبطل هو مصدر الفعل في النص كذات تسعى جاهدة لقلب الوضعية ، فهو يتوق إلى إلغاء حالة / سلطة الماضي عليه / في محاولة منه استبدالها بحالة أخرى / كذات تنفصل عن الماضي / وتتصل بالحاضر والمستقبل .. بطل تأرجح بين ما يسمى في الأدب : حالة الانفصال وحالة الاتصال ..
حاول البطل أن يخلق من نفسه شخصية جديدة انطلاقاً من محفزات ولدها من نفسه والظروف المحيطة به ، عبر التحول والانتقال من خلال رغبته في نفي وطمس حالة التفكير في الماضي من أجل إثبات حالة التعايش الممكن مع الحاضر بسلبياته وإيجابياته ..
قام البطل بسلوكات وأفعال اعتقاداً منه أنها ستفلته من قبضة الماضي /الاستيقاظ / غسل اليدين / التسكع في الشارع / النظر إلى المرآة / ... لكنه سقط في حالة أخرى /الانعزال / سوء التكيف / التهميش / الصمت القاتل / قطع العلاقة مع الآخر / الاكتئاب المزمن ... فرغم أن السارد لم يحدد نوع الذكريات التي تضغط على البطل مما ترك الحرية للقارئ أن يستنبطها من خلال تجربته وثقافته .. /اليتم / الفقر / ممارسة العنف عليه / الإحساس بالذنب / ....
فرق بين النظرة الأولى والثانية في المرآة ، الأولى كشفت عن شخصية تبدو سوية في المظهر مع أنها مهزوزة من الداخل ،أما الثانية فقد كشفت عن تحول كبير في هيأته وشخصيته ، شخصية منفرة ومقززة ،بل مضطربة ومهزوزة .. فكان مصيره الهلاك ..
نص جميل ، يتميز بالصدق في القول والتعبير ، بساطة لغته زادت من جماليته ..
جميل ما كتبت أخي صهيب ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..