أمرُ إزالة
انشغلت عبير بمتابعة قرص الشمس الأحمر وهو يبتعد ويتضاءل شيئاً فشيئاً في مرآة السيارة، بينما كان الليل يرش أثيره الأسود على مرمى بصره، ولا يملكُ علاء سوى أن يتابع السير باتجاه الشرق، حيث البيت الفخم، والفراش الوثير الذي سيجمعهما مجدداً بعد غيابها الطويل.
لاحت أضواء القرية من بعيد، فزاد حنينها للبيت . كانت دائماً تقول أن هذا البيت هو ابنها الثالث.. حملته حُلماً طيلة سنوات الغربة..ووضعته على أوراق الرسم، وأشرفت بنفسها على بنائه، واختارت كل قطعة في أثاثه.. ونسبته إلى زوجها.
فتحت جيب حقيبتها الذي اعتادت أن تضع فيه المفتاح.. ليس ثمة مفتاح! تذكرت أن علاء قد أخذه قبل أن يغادرها عائداً إلى البيت منذ شهر.. نظرت إليه، لكن عينيه المرهقتين كانتا على الطريق أمامه، فلم ترد أن تشغله عن القيادة.
-الحمد لله، أخيراً وصلنا. حمداً لله على السلامة يا عبير.
- سلمكَ الله من كل شر.
- كيف أنتِ الآن؟
شغلها عن الإجابة رؤية ابنتيها وهما تهرولان نحوها، تسابقتا إلى فتح باب السيارة، همت بالنزول.. سارعتا بإمساك يديها برفق، وطبعتا قبلتين عفويتين على خديها، وأقسم علاء أن يحملها حتى يصل بها إلى الفراش..
كانت تتمنى أن تصعد الدرج بنفسها، وأن تفتح الباب بنفسها، وأن تطبع قدماها قبلاتِ الشوق على أرض بيتها..
نظرت في عيني زوجها وهو يحملها بين يديه .. ما زالت عيناه المرهقتان تتشاغلان بالطريق أمامه، وضعها في فراشها وجلس على طرف الفراش عند قدميها، وابنتيهما على يمينها وشمالها. بادرتهم معتذرة:
" آسفة! لم أعد أملك بيتاً أستضيف فيه الولد! "



رد مع اقتباس
