في مهابط البيان (ألم تَرَنا تَفَرَّدنا كِباراً)
حلَّ على رابطة أدباء بيت المقدس الأديب السجين المحرر وليد خالد بعد أن غاب في غياهب السجون زمنا فاستقبلته بنثر وشعر يليق به وقمت بمن حضر معرفا مهنئا :
الأخو معشر الأدباء والشعراء والذواق :
ائذنوا لي أن أتقمص ثوب النثر ولو لمرة واحدة محتفيا ومحتفلا بوجود ضيف لدينا عزيز علينا ، فالحمد لله الذي أخرجه من السجن وجاء بنا من البدو لنلتقي في مرابض الأدب ومهابط البيان على شرفه ،فأهلا به ومرحبا :
وأقول بادي الأمر : لا تحزنوا لقلة الأدباء ، فإنهم ملح الناس ،فسدوا إذا كثروا بينهم كما الملح للطعام .
ولا لندرتهم ،فكذلك الذهب والعسل والحق والدواء والخير وكل ما هو نفيس .
ولا لغربتهم ،فكذلك الأنبياء والعظماء والملوك والقادة أول ما يظهرون .
يا صفوة الناس بما خصكم الله به من ذائقة لغة الوحي والتنزيل :
إن غربتنا بين الناس وتنكرهم لنا ،لا لفساد البضاعة وكسادها ،إنما لفساد الذائقة وخراب الزمان فإذا فسد الزمان فسد أهله (ألا إن أخلاق الفتى كزمانه فمنهن بيض في العيون وسود ) فأصبح مع الأسف (الفيديو كليب) ديوان العرب .
وكذلك لسوء عرضنا لبضاعتنا وفشل تجارتنا فكسدت البضاعة .
لذلك ينبغي أن نداري الناس فيما نملك و أن نتحايل عليهم تحايل السائس على الفرس الحرون ،فنفتل لهم على العجز والغارب ،لا أن نطفق ضربا بالسوق والاعناق .

ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لعلمنا ما نحن عليه اليوم في رابطة بيت المقدس ولو تناولنا ما بين زمنين : يوم كان رمضان عمر يطوف على الشعراء والأدباء والمهتمين ويرى انفراط عقدهم وتفرق راياتهم وتلون أطيافهم فيقول في نفسه والله لا أرى من هو فوقنا ،وكان بداعي الأدب يومئذ كعازف لحنا في سوق الصفافير لا يسمع الناس حوله سوى طرق الآلات وقرقعة المعدات ،او حامل عودٍ في سوق الغنم يوم الخميس يرمقه الناس بأعينهم ويزلقونه بأبصارهم .
وزمن ٍ : ضم فيه نادي الأدب أكثر من ثلاثين شاعرا ضربوا أكباد إبلهم إليه وأناخوا مطاياهم لديه،لو دخلت بهم بيت الحكمة لأعجب بهم المأمون ،ولو ضربوا خيمة في عكاظ أو مجنة أو ذي المجاز وقام قائلهم في الناس لترك أهل السوق بضاعتهم والتفوا عليه،ولو دخلوا المربد لحسب له أهله الحسبان
وشاء الله لهذا الصرح أن يكتمل ولهذا السفين ان يستوي على جودي البيان فأصبح عندنا شعراء بمصاف شعراء موريتانيا واليمن والسودان أو يزيدون وأقول :
كذلك نحن أربابُ البيان
لدينا سحرُ أطراف البَنانِ
لَدينا راحُ نَشوانٍ طَروبٍ
تدبُّ إلى الحَشايا والجَنانِ
نُقدِّمُها لِذُوَّاق المَعاني
دَهاقَ الكأسِ مُترَعَةَ الدِّنانِ
لَدينا حُسنَُ مَيَّاسٍ لَعوبٍ
من الشِّعرِ المُرَصَّعِ بالحِسان
لدينا من ذَواتِ القولِ فنٌّ
يَزِلُّ عن الجَوانِحِ باللّسانِ
لَدينا من بُطون النّحلِ وَحيٌ
وَشَهدٌ فاضَ من عُنُقِ الجِران
لَدينا ما لَدينا من لُحونٍ
طَروباتِ المَعازِفِ والقِيانِ
لَدينا ما لدينا من كُنوزٍ
نَفيساتِ السَّبائِكِ والدِّهان
لَدينا علمُ أسرارِ الحَكايا
لَدينا فِقهُ أذواقِ الجَنانِ
من النَّظمِ المُنَمَّقِ والمُحَلَّى
بَيانٌ بانَ عن حُسنِ المَباني
عَلَيها من جَلالِ الطُّهرِ نورٌ
ومن صِدقِ المَقاصِدِ والمعاني
فَرَزناها كَما العَسَلُ المُصَفَّى
من الأثَرِ المُشَوِّهِ والمُشاني
كَإبريزٍ من الذّهَبِ المُوَشَّى
وتَطريزٍ من البُرُدِ اليَماني
فَرائِدَ من زُمُرُّدَ في عُقودٍ
قَلائِدَ من لُجَينٍ في جُمانِ
بُدورٌ في قُدورٍ راسِياتٍ
لآليءُ من جَِوابٍ كالجِفانِ
بِقيعانِ البِحارِ مُخَبَّآتٍ
وأجوافِ المَحارِ على المَواني
بِفِطرَتِنا مَلَكناها القَوافي
ولَيسَ على الرِّياضَةِ والمِرانِ
صُدورٌ مثلَ غُصنِ البَان مَالَت
بِأعجازٍ كَعودِ الخَيزُرانِ
كَفَرعٍ من أراكِ الهِندِ زاكٍ
وَغُصنٍ من قُطوفِ التَّمرِ دَانِ
وموسيقى لها الأفهامُ مادَت
على وَتَرِ الرَّبابَةِ والكَمانِ
فَتَختَرِمُ المَشاعِرَ نافِذاتٍ
كَحَدِّ السَّيفِ أو نَصلِ السِّنانِ
ألم تَرَنا تَفَرَّدنا كِباراً
على الأحياء من إنسٍ وجانِ
فكُلُّ الخَلقِ من طينٍ وماءٍ
ومَعلومُ الزَّمانِ مع المَكانِ
ولَكِنّا عُيونُ الشِّعرِ جِنسٌ
هَجينٌ من عَجينِ الأرضِ ثاني
أُرَبِّيها كأبنائي القَوافي
عَليها حَادِبٌ حِيناً وحَاني
كَخَيلٍ مُرسَلٍ في عَصفِ ريحٍ
أرَخِّي في أزِمَّتِها عَناني
تُشَذِّبُها تُهَذِّبُها عُيوني
تُرَتِّبُها تُرَطِّبُها اليَدانِ
فَتَجبُلُها بِطَبعَةِ صَيرَفيٍّ
وتَطبَعُ في جِبِلَّتِها كِياني
وفي الأفاقِ أشدوها بِجَرسٍ
يَجوبُ النَّاسَ في عَقِبِ الزَّمانِ