في رثاء جدّي رحمه الله ..
صالح بن علي العمري – الظهران

توفي جدّي رحمه الله عن عمر يناهز 125 عاما حافلة بالمتغيرات.. وما فتر عزم حكمته ولباقته وسرعة بديهته.. وحفظ الله له سمعه وبصره ورشده حتى وافاه أجلُه وهو يردد شهادة الحق.. رحمه الله وموتاكم وموتى المسلمين..
يارب.. جاءك شيبةٌ متوضيءُ والقلبُ يرجفُ والخُطا تتلكأُ
ومعاقد التسبيح فوق شفاهـهِ وعصاهُ قيد يمينهِ.. يتوكّأُ
قرنٌ وربع القرن جاءك حافيـا والصخرُ يفنى والحديدةُ تصدأُ
فارفـق بشيبته، وأكـرم رفدهُ يا من إليه الملتجا والملجأُ
وافسح له بجنان عدنٍ، واسقهِ من كفِّ أحمدَ شربةً.. لايظمأُ
كانت له نُزُلُ القلوبِ منـازلاً وقراكَ أنعمُ يا كريمُ وأهنأُ
خاض الحياة فجاجها ولجاجها فلعلّ رحمتك الفسيحةَ مرفأُ
كم بات في ظمأ الهجيرة، والتوى وعـدا عليه تيتُّم وتجرؤ
نستودع الله الكــريم حياته وعيوننا رقراقةٌ لا ترقأُ
في ذمّة الله الـودود فـؤادهُ وقلوبنا مشبوبةٌ لا تهدأُ
فاغفر له هزل الكتاب وجدَّه وعيونُ إبليس الحقودة تخسأُ
أنت الحسيب.. وكلُّ خلقك هالكٌ وجميع من يسعى يصيبُ ويخطيءُ
وارحم تنهّده.. ورجفة كفّـهِ وعقود جبهته التي تتلألأُ
وخطوط شيبته، ورقّة عظمـه من يدرأ الأمر الذي لا يُدرأُ
يا جدُّ يسليني ويجبرُ خـاطري أنّي رأيتك للردى تتهيأُ
وتنازعت فيـك المنيّةُ والمـنى.. والموت لا يُرجى ولا يُستبطأُ
فرأيت جأشك شامخا متجسّـرا وقرأت في بلواك ما لا يُقرأُ
ونضحت بالإيمان ران قلوبنـا والصبر ُ أجملُ في المصابِ وأكفأُ
لمّا قبضت على الشهادة هـزّني عقبى الثبات وكيف يعلو المبدأُ
ووصفت لي الدنيا بعقل مجرّبٍ لا من يخاتلُه السـرابُ الأظمأُ
لولا مخافة جزعـتي و تأثمـي لكتبتُ فيك ملاحماً لا تهدأُ
يكفيك عنها دعـوةٌ ملحاحةٌ ونشيج صدرٍ بعدكم لا يهنـاُ
هذي الحياةُ مواردٌ ومصـادرٌ والأمر أمرُ الجدّ يا من يهـزأُ
عُقبى المسافرِ حفرةٌ مقـرورةٌ أين المفرُّ وأين أين المخبـأُ!!
يا رب جرحي في حبيبي غـائرٌ لكن بجودك كلُّ جـرحٍ يبرأُ..