لغة الخـــلد
******************

على هامش الأحداث والنكبـــاتِ
و في فــورة الأهــواء والرغبـــاتِ
أجول ولا أدري حدود قصيدتـــي
فيمتد شِريانــي لخـــارج ذاتـــي
وتوقظ أفكاري لواعـج مهجتــــي
و تشتعـل الأبيـات مـن خطراتـي
فأهوي على أرض التألم في أسـى
وأنزف آهاتـــي علــى ورقــــاتي
لساني يراع مـزق الدهــر حرفــه
ودمعي نزيف في عيــون دواتـــي
فأختط قبـل المــوت آخــر توبـــة
وأهتز ّ كالبـــركان في جنبـــاتـي
وأكتب في وجه الزمـــان رسالـــة
يسلمها الماضي الحريـــص لآتــي
"أنا البحر في أحشائه الدر كامــن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتـي"
أنادي وأقوامي أسارى لغيــــرهم
وأفواههـم أســرى لبضـع لغـــاتِ
يبيعونني بخسا بلكنــة عجمـــة
لدنيــا و أربــــاح بكــف جنـــاةِ
تضيع بألفاظ الأعاجـم بهجتــــي
وأسقــط في جــب من اللهجـــاتِ
أفتش من حولـــي فأبصر أمتـــي
سكارى عن الإعجـاز في كلماتـــي
ولولا كتــاب الله يحـــفظ عزتـــي
لذلت على باب الهـــوان بنـــاتي
أنا لغة الضــاد الجميلة أرتمــــي
على جانب التاريـخ واللحظــــاتِ
ويمتهن الكتاب قدس حضارتـــي
وأوصف بالتقصيـــر بين رواتـــي
وأبدو أمـــام الـدارسيـــن فقيــرة
ضحيــة تفريق ونهــب شتــــاتِ
متى يجمع العرب الشتات فلولهم
فينتعـش التاريـــخ في صفحاتـــي
وتثمر في فصل الربيـــع حدائقــي
و يعبق عطر السحر مـن نفثاتـــي
و أنزل في بحر الحيـــاة سفينـــة
وأرمي لغرقى العرب حبل نجــاةِ
أنا سكة التطوير من جاز دربهــا
يجاوز إلى العليـا بكـــل ثبــــاتِ
ثقوا أن باب النصر باب مــدينتي
و أن طريق المجد في خطواتــــــي
لقد كنت ظرف العلم دهرا أحوزه
بلفظي و تعبيـري و في أدواتـــــي
أنــا لغة الــقرآن أعــربت آيــــه
و بيــنت معنــاه لكـل مـواتــــي
و أبلغــت لـلآفـاق كـل جمـــالـه
فـأخرست حسـادي و كـل قلاتـي
حباني إلـه الكـون أفضـل أحـرف
و أنبتنــي كـالنخـل خـير نبــاتِ
و كفـلنـي الرحمن أمــة يعـــرب
فكـانوا دواويـني وخير حماتـــي
وفضلنـي بـالمكرمـــات جمـيعهــا
فحزت سمـاواتٍ مـن الدرجـــاتِ
أنــا لغـة الإسـلام في كـل دعـــوة
و في كـل تبلــيغ و كـــل صــــلاةِ
خطـوطي تهـز العـالمـين بحسـهـا
ففيــها شــرايين و نبـض حيـــاةِ
وهبت جمالي كل من جـاء راغبــا
فكل قصيد الشعـر بعض هبـاتــي
وكل جميـل النثـر بعض عطيتــي
وكل فصيـح القـول مــن لهـواتـي
ولو فتش الناس اللغــات لأبصروا
بديـع بلاغــاتي ونبـل صفــاتـــي
و أني أنــا أم اللغـات جميــعهــا
وأن كــلام الناس مــن نفــحاتــي
فما بال أقــوام يــودون مــوتــتــي
ودفنـي بوأدي في ربـيع حــياتــي
وحبسي على رف المكاتب مـاضيـا
أموت بـسيف الهــم والحســراتِ
أعيــشُ ببطنِ الكتبِ دونَ تــداولٍ
على واقـــع الدنيا كبعـض رفـاتِ
بقيـت علـى رغم السنــين قـــويةً
و قـد ذلَّ أقـــوامٌ على السنـــواتِ
سـأبقى على الدنـيا منـارًا وقــمةً
سـرورا لأحبـابي وغيـظ عـــداتي
أنا لغة الخـلد التي ليـس تنتهـي
وليس لأهــل الخـــلد يـوم وفــاة



شعر
محمـــود آدم