قاضي الغرام
جاءت تقاضيني الغرام و تدعي
و سلبتني كل الذي أحيا به
لم تبق غير قصائد في مدمعي
غررت بي بقصائد رقراقة
حتى عشقت و حين أعشق لا أعي
أعطيتك الأمل الذي في مهجتي
و زرعت قلبك في حنايا أضلعي
فإذا نظرت أنار وجهك ناظري
و إذا سمعت أنار لفظك مسمعي
و إذا خلوت فمؤنسي في وحشتي
و إذا اضطجعت فمؤنسي في مضجعي
صارت حياتي كلها وقفا على
ما تشتهي أو ترتضي أو تدعي
امدد يديك فإنما أنا زهرة
تواقة للحب ذات تضوع
خلقت من الطين الذليل وإنها
تهفو إليك إلى المحل الأرفع
إن لم يرقك جمالها و عبيرها
فتركتها في ذل ذاك الموضع
لذوى هواها ثم فاضت روحها
فكأنها في لحظة لم تطلع
فانظر إلى الحسن الذي في وجهها
حسن بغير تكلف و تصنع
طمعت عيون العاشقين لمثله
فلأي شيء مثلهم لم تطمع
أولست أنت رسولهم ببيانهم
تلقي مبادئهم بكل تجمع
هذي قصائدك الحسان شهيدة
أبياتها صدعت بما لم تصدع
فارجع عن السوء الذي أضمرته
و أطع شبابي و استجب لتضرعي
فأجبت في فزع : معاذ الله تلـ
ـك خطيئة كفي فلن تجدي معي
أنا لست أنكر أن شعري كله
في كل قافية به أو مطلع
يدعو إلى دين الهوى لكنني
ودعت دعوى الحب تلك فودعي
و جمعت أوراقي به فنثرتها
في اليم لم أحجم و لم أتورع
و برئت من دين الهوى فكأنني
لم أتبع يوما و لم أتتبع
خدعتني الدنيا بوجه مليحة
أخفت محاسنها وراء البرقع
فكشفت برقعها لأنظر حسنها
فتكشفت لي عن شجاع أقرع
في كل يوم كنت أذبح مهجتي
في كل ليل كنت ألقى مصرعي
طوفت خلف الحب في كل الدنى
و رجعت من سفري بوجه مضيع
ضيعت عمري في ضلالات الهوى
و شربت من كأس العذاب المترع
يا من رجتني أن أطيع شبابها
هذا رجاء صغيرة ليست تعي
أدنيت من شفتيك كاسات الهوى
و أنا أخاف عليك أن تتجرعي
صوني جمالك أن يكون غواية
للطامعين و للخلاعة فاخلعي
إن الزهور إذا زهت برحيقها
قطفت فلم تثمر و لم تتضوع
وسطا الذباب على لذيذ رحيقها
و هوت سريعا مثل حلم مسرع
و هوت لذل الطين من عليائها
ركعت و كانت قبل ذات تمنع
لا تسمعي الشعراء أخرى إنهم
في كل وادٍ هائمون و موضع
خدعوك إذ قالوا و قال أميرهم :
هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
ضلوا وراءك إذ ضللت و ربما
ضلت وراءكما الأنام فأقلعي
إني أعيذك أن تكوني لعبة
تهفو إلى لهو و بعض تمتع
و إذا أتاك المدعون بحبهم
فتعففي و ترفعي و تمنعي
توبي و لا تفني حياتك في الذي
أفنيته و إلى عفافك فاسمعي
ما زلت من شط النجاة قريبة
و الآن يمكنك التراجع فارجعي
و تذكري يوم الحساب و آمني
هذا طريقك للمحل الأرفع
شعر : محمود آدم