نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

شعر/ مصطفى الجزار

(من ديواني: عيون عبلة)


قَالُوا:
نَزَفْتَ الشِّعْرَ مِنْ جُرْحِ العُرُوبَةِ..
وَامْتَشَقْتَ السَّيْفَ في وَجْهِ السِّيَاسَهْ
أَشْعَلْتَ بِالأَشْعَارِ أَفْئِدَةً.. تَجَمَّدَ نَبْضُهَا
وَأَذَبْتَ ثَلْجَ الخَوْفِ..
فَاسْتَعَرَتْ بِحَرْفِكَ أُمَّةٌ..
وَحَشَوْتَ بِالْبَارُودِ دِيوَانَ الحَمَاسَهْ
أَجْرَيْتَ بَحْرَ الشِّعْرِ.. دَمْعًا حَارِقًا..
أَفْرَغْتَ كَأْسَكَ كُلَّهَا.. وَمَلأْتَ كَاسَهْ
قَدْ عِشْتَ..
تَذْبَحُ كُلَّ قَافِيَةٍ لَدَيْكَ..
لِتُطْعِمَ الجَوْعَى قَصِيدًا نَاضِجًا مِنْ حَرِّ نَبْضِكَ..
ثُمَّ تَفْجُرُ أَلْفَ يَنْبُوعٍ طَهُورٍ..
عَلَّهُمْ..
يَتَبَرَّؤُونَ مِنَ الدَّنَاسَهْ
قَدْ عِشْتَ..
لِلقُدْسِ الجَمِيلَةِ عَاشِقًا..
وَنَظَرْتَ في مِرْآتِهَا.. فَإِذا بِهَا..
عَكَسَتْ عَلَى جُدْرَانِ شِعْرِكَ..
كُلَّ أَلْوَانِ القَدَاسَهْ
لَكِنْ..
نَرَاكَ..
أَضَعْتَ عُمْرَكَ كُلَّهُ بَيْنَ السُّطُورْ
أَنْفَقْتَ أَغْلَى مَا لَدَيْكَ مِنَ اللَّيَالي..
سَاهِرًا بَيْنَ القَصَائِدِ..
تَغْمِسُ الأَشْعَارَ في دَمِكَ الطَّهُورْ
فَتَعُبُّ أَحْرُفُكَ الظَّمِيئَةُ مِنْ دِمَاكَ..
وَأَنْتَ رَغْمَ النَّزْفِ..
تَشْدُو في سُرُورْ!
مَا ذُقْتَ مِنْ شَهْدِ الحَيَاةِ..
سِوَى مَرَارَاتِ القُشُورْ
فَارْفُقْ بِرُوحِكَ يا فَتَى..
وَاتْرُكْ دَفَاتِرَكَ المَلِيئَةَ بِالحَرَائِقِ..
ثُمَّ أَدْرِكْ مَا تَبَقَّى فِيكَ مِنْ عُمرٍ قَصِيرْ
عِشْ مَرَةً..
دُونَ الدَّفَاتِرِ..
وَالمَشَاعِرِ..
وَالقَوَافي وَالبُحُورْ
***
فَأَجَبْتُهُمْ:
يَا قَوْمِ..
إِنِّي شَاعِرٌ..
لا أَسْتَطِيعُ العَيْشَ في ظُلَمِ القُبُورْ
أَنَا شَاعِرٌ..
تَسْرِي بِأَوْرِدَتي شُمُوسُ قَصَائِدِي فَيَشِعُّ في جَنْبَيَّ نُورْ
لا تَطْلُبُوا مِنِّي حَيَاةً مِثْلَ طَعْمِ المَوْتِ..
لا أَرْضَى بِهَا..
هَلْ تَسْتَطِيعُ العَيْشَ في الجُحْرِ النُّسُورْ؟!
أَنَا شَاعِرٌ..
قَلَمِي يَطِيرُ عَلَى رُبى الأَحْلامِ..
يَغْمُرُهَا بِوَاقِعِهِ.. فَيَصْحُو في حَنَايَاهَا الضَّمِيرْ
قَدْ عِشْتُ لِلْوَطَنِ المُكَبَّلِ بَيْنَ أَنْيَابِ القُيُودِ..
وَخَلْفَ أَسْلاكِ المَصِيرْ
جُرْحُ العُرُوبَةِ..
شَقَّ صَدْرَ قَصَائِدِي..
فَتَأَوَّهَتْ كُلُّ الحُرُوفِ..
وَأَقْسَمَتْ..
أَنْ تَحْمِلَ الهَمَّ المُقِيمَ بِأَعْيُنِ الضُّعَفَاءِ..
في وَطَنِي الكَسِيرْ
وَتُزِيلَ أَسْتَارَ الغِشَاوَةِ..
كَيْ تَرَى عَيْنُ الحَقِيقَةِ وَجْهَ فَارِسِهَا الأَسِيرْ
وَتُعِيدَ لِلأَرْضِ الحَزِينَةِ..
بَسْمَةً خَضْرَاءَ..
تَأبى أنْ تَبُورْ
***
مَاذا سَيَبْقَى فِيَّ مِنْ لَوْنِ العُرُوبَةِ يَا قَصَائِدُ..
بَعْدَ أَنْ أَغْتَالَ أَوْرَاقَ النِّضَالِ..
وَأُسْكِتَ القَلَمَ الغَيُورْ؟
يَا هَؤُلاءِ..
أَنَا هُنَا مِنْ أَجْلِكُمْ..
سَأَظَلُّ أَنْزِفُ لِلصَّغِيرِ وَلِلْكَبِيرْ
وَلِئِنْ حُرِمْتُ هَوَاءَ بَوْحَي مُرْغَمًا..
فَلَسَوْفَ تَكْتَمِلُ القَصِيدَةُ في الوَرِيدِ..
وَحِينَهَا..
سَتَكُونُ آخِرُ زَفْرَةٍ أُلْقِي بِهَا
- قَبْلَ الشَّهَادَةِ -
زَفْرَةَ البَيْتِ الأَخِيرْ..
...
...
...