وحيدا تحتضنه رملة شاطئ "سيح المالح" ، وهو يلمح تشبث الخيوط الأخيرة للشمس بقمم الجبال البيضاء في "رأس الحمرا" قبيل غرقها الجميل وسط البركة الهادئة ، الممتدة نحو خط الأفق باتجاه الغرب . طيور النورس تراقص ذوائب الأمواج الدافئة ، حين تداعب رمال الشاطئ الساكنة بين كفتي الجبال المتعرجة بمحاذاة البحر ، في دعوة أزلية لاحتضانه .
كعجوز ، يحاول تحسس رأس طفلة صغيرة ؛ يمرر يديه فوق حبيبات الرمل الناعمة ، ومعها يتلمس ذاكرته ذات السبع والثلاثين حافة للحياة ، يتحسس ندوبه الغائرة في ملمسها ، ويستشعر دقة الصنع للألم المقيت الذي نحتها ، ومن حدتها يحاول استشراف القادم .
بعد التحاف البحر بوشاح المآتم الحزين ، يبسط عينيه باتجاه البركة العظيمة ، يستأذن الرمل تحته في التقاط قطعة حجر متآكلة ، يستشعر فيها شيئا من ذاته المهترئة ، ثم يرمي بها بعيدا وسط السواد ، ويرمي معها نشوة الألم التي تلفه.
يلملم نفسه ، ثم ينسحب باتجاه السيارة ، ومنها يتجه حيث يسوقه الطريق إلى الحافة الأربعين.