في مدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

بيني وبينكَ سرٌ خالدٌ، ونبا
وهاجسٌ كلما أمعنتُ فيه نبا

بيني وبينكَ من معناكَ أحجية
تحيّر الفهم في إدراكها فكبا

يمّمتُ روحي إلى معناك يا أبداً
ما غاب عن ملكوت الله أو غربا

وقمتُ - فوق يديْ - قلبي بذات طوى
ونار نورك تذكي مهجتي عجبا

إخلع.. فإنك، واهتزت عصا بدمي
وانشق بحرُ حنين فيَّ واضطربا

خلعتُ ظليَ عن ذاتي التي اتقدت
آياتُها وانتعلتُ الماء واللهبا

أعدو.. ومرآةُ روحي فيَّ تجذبني
إلى الخيال الذي في داخلي انجذبا

رأيتُ باباً سماوياً وأجنحةً
مرفرفاتٍ وقيعاناً وسربَ ظِبا

قلتُ: السلامُ.. وضجّت في فمي لغةٌ
من الذهول ووجه الدهشة انتصبا

طفلٌ على غيمة الأضواء تحملهُ
يدُ النبوءة وعداً قَطُّ ما كُذِبا

فقلب مكة عيدٌ، والسما فرحٌ
والكفرُ ينخر مغتمّاً ومكتئبا

محمد كل طُرْفٍ منه مدرسةٌ
من المقامات.. ماذا يقرأ الرُقبا !!

كأنما قيلَ للأخلاق كن بشراً
وقيل للحب كن أماً له وأبا

فالحِلمُ يكتب عنه ألفَ ملحمةٍ
والحسن يهتف: سبحان الذي وهبا

والدمعُ يلهجُ في محراب خشيَته
والذكر يقطف من أنفاسه رُطبا

هناك في الغار.. يا للغار من وطنٍ
تغرّبَ الضوء في جَفنيهِ واغتربا

إنسلَّ عن عتمة الأهواء.. فانتخبت
له المشيئة ما جلّى وما عذُبا

تَنَزّلَ الروحُ.. قال: اقرأ فكل مدىً
لا يفقهُ اللهَ إلا ساء منقلبا

إقرأ.. ستقرؤكَ الدنيا، وهل قرأت
عينٌ كأحمدَ ممن جاء أو ذهبا؟

أُركضْ بنورك في قلب الظلام (وما
عليك) إن عسعسَ الطغيانُ أو غضبا

وقيل يا مجتبى (أنذرْ) فما هدأت
في عينه وَسْنَةٌ أو زاوجتْ هُدُبا

وراودتهُ الدُّنا جهراً فقال لها
معاذَ ربيْ، ولم يتْبَعْ لها سببا

تضوّعتْ من خطاهُ الأرض فارتجلتْ
قصيدة كَلّ عن مكنونها الأُدبا :

وما محمدُ إلا.. محضُ معجزةٍ
العاكفون على أبوابها غُرَبا

محمد قصة لم تُطوَ صفحتُها
تبارك الله من أوحى ومن كتبا

أكاد أسمعُ بوحَ الاخشَبَيْن له:
لأنتَ أنبلُ من أعفى ومن حَدَبا

********

يا سيدي.. يا سماءَ المكرمات ويا
كونَ الفضائلِ، يا الحبُ الذي وجبا

خذني إليك عصافيراً مجنّحةً
قصيدة من يدَيْ (عدّاسها) عِنَبا

مددتُ قلبي.. فهب لي جذوةً، قبساً
كي أصطلي - يا حبيبي- عزةً وإبا

واقبل صلاة حروف بِتُّ أقطفها
من سِدرة الحب ممتناً ومقترِبا

خالد عباس بلغيث