حـلــم الحـقـيـقــة


بينما كنتُ نائمة تحت شرفة غرفتي ، وقمة الجبل الذي نسكنه يطل علينا ببهاءه وقوته ... وإذا بهواء يداعب وجهي لا ينفك عنه كأنه يطلب مني أن أستيقظ .. فاستيقظتُ لأراني بدأتُ أطير وعيناي غير مصدقتان .. لم يبتعد بي الهواء فقد أجلسني على قمة الجبل ثم أحضرَ لي غطاءَ سريري ووضعه على كتفي بحنان .. كنتُ خائفة ومرتبكة .. لكن شيئاً في داخلي يحضني على عدم الخوف .. وإذا بصوتٍ عذبٍ ولا أحلى يطرح علي السلام ، فلم أشأ أن لا أرد على ذلك الصوت الحاني فرددت التحية ثم سألت :

- من أنت ؟!!
فرد الصوت علي :
- لا تخافي يا عزيزتي .. أنا بلادك
- بلادي ! أنا في علم أم في حلم ؟؟
- أنتِ في علم بالطبع ..
- أحقاً هذا صوتُ بلادي .. يا الله لو تعلمين كم أحبكِ .. كم أهواكِ من كل قلبي ...
- أعلم ، ولذلك قررتُ الجلوس معكِ فأبثكِ أشجاني وأحزاني .. ألا يحب المحبوب أن يخلو بحبيبه
أجبت بفرحة : بلى ..
فقالت : ما بكِ ؟ أما زلتِ تشعرين بالخوف ؟
- لا ، لم أعد كذلك ، إنما الاستغراب
- لا تستغربي يا عزيزتي ولا تخافي ؛ فأنتِ من أحشائي
- وكلي فخر والله .. لكم أنا حزينة عليك يا بلادي .. فالمحتل يغتصب أرضكِ ويستبيح حرماتك .. الأقصى ينادي دون مجيب .. مأسورة مكبلة ... والحال أكبر من أن يوصف ..
- آه .. آه .. جرحي دائم النزف لا يعرف الانقطاع وأيدي من بني يعرب تضع ملحاً على الجرح .. لكن أكثر ما يجرحني فيؤلمني ويبكيني فرقة أبنائي وتشتتهم .. تقاتلهم على عرشٍ وهمي .. لُطِّختُ سمعتي وهُمِّشت قضيتي أكثر .. حملتُ عاراً لن يُمحى .. عار الفرقة والاقتتال .. دم المقتول على يد من أبنائي كأنني أتجرع الحنظل .. بل السم .. وأخاف من انتشار اليم في جسدي فيهلكني ..

كنتُ أستمع إليها والدموع لا تفارقني .. أجهشتُ بالبكاء ولم أستطع التوقف .. أحسستُ بنار تحرق كياني .. عندها أحسستُ برشقات ماء ملأت وجهي ، ثم سمعتُ بكاءً وأنيناً يتعالى .. يا إلهي .. إنها بلادي تبكي .. شعرتُ أن جسدي تحرقه نار الألم .. وأدركتُ أن على التخفيف عن بلادي فكثرة بكائي لن ينفعها فقلت :
- أرجوكِ لا تبكي يا حبيبتي فبكاءك يحرقني .. أرجوكِ فلسنا كلنا واحد ففينا الخير تأكدي ..
- أتحمل ظلم المحتل وأصبر .. أُروى بدماء الشهداء الزكية فأحيا .. لكن دم الفرقة حنظل مرير لا أقبله ولا أتحمله .. ورفعت صوتها وهي تقول : آه .. آه ..
فخشيت أن يُسمع صوتها فينتبه الناس إلى وجودي في مكاني ؛ فقلتُ لا :
- انتبهي لصوتكِ .. فالليل موصل للصوت
سمعتُ ضحكة بدت لي حزينة ، وقالت :
- أيا عزيزتي .. إنني أصرخ صباح مساء .. ليل نهار دون جدوى
- لكنني الآن أسمعك
- أنتِ تسمعينني بقلبك لا بأذنك
- أيا حبيبتي .. أسأل الله أن يحفظكِ ويرعاكِ .. ولا تنسي أن الخير موجود فينا إلى يوم القيامة .. والظلم لا يدوم مهما طال ...

ومع كلماتي تلك بداتُ أرتفع فيما يبدو عودة إلى فراشي ..
استيقظتُ على صوت منبه الساعة الذي عيرته لأصحو على صلاة الفجر .. يا الله أكان هذا حلماً .. جلستث لبرهة أفكر بالأمر ، ثم قمتُ لأتوضأ فإذا بصوت مركبات توقعت أنها لجيش الاحتلال ففتحت على القناة المحلية في التلفاز لأقرأ الخبر المعتاد .. خبر الاجتياح اليومي ، وحملات الاعتقالات ومداهمات المنازل ... فأسرعتُ لإلى النافذة لأشاهد دورياتٍ ومصفحاتٍ تتجول في شوارع المدينة ..
وشعرتُ بقطرات ماء ترشق وجهي




ربى يوسف