http://https://www.rabitat-alwaha.ne...ad.php?t=54967


البــــــاب الأزرق (حلم قصير )عنوان القصة رمزيٌ ذو دلالات عميقة كبيرة , بداية "الباب" رمز يمثل معبراً للانتقال لعالم الحرية المرجوة و القريبة التي لا يفصلنا عنها الا عتبة الباب , لم يكن محكم الإغلاق فالحرية قريبة منا لكننا لا ندرك كذلك كما هو حال الباب هنا قريب لكنهم خافوا ولوجه و اجتيازه ,و اللون "الازرق" لون السماء و الماء و هما من اكثر الأشياء ارتباطاً بالحرية " تحليق و إبحارٌ و ارتواء ", أما حلم فهو حلم الانعتاق و التحرر من أسر السجن و العبودية هاهم قد تعلقت عيونهم به يحلمون بما ورائه "رغم أن عيون الرجال لا تنفك تتأمله بشغف، و هم يشيرون إليه في أحاديثهم." يشيرون إليه بشغف يتمنون معرفة المجهول الذي خلفه لكنهم لم يحاولو الاقتراب منه بالرغم من أنه ليس محكم الإغلاق و هذا أمر غريب لأن الطبيعي في حال كنا نتوق للحصول على شئ ان نسعى للحصول عليه و هم قد منحوا ميزة بعدم إحكام الباب لكن الحلم ليس بمتناول الجميع هناك من هم جديرون به و يستحقونه ,أما هم فإن خوفهم من المجهول و مما بعد اجتياز الباب جعلهم يفضلون الرتابة
على التغيير .


افتُتحت القصة بمشهد جلوس هؤلاء الأشخاص ليبدو المشهد مُقتطعاً من حياة لأشخاص عاديين لم تبدو معالم السجن واضحة و لا فترة سجنهم فهم يتسامرون ليلاً ليتبادلوا أطراف الحديث و يتناولون وجبات تشاركوا في إعدادها و تناولها و في السجون لا يقوم السجناء بإعداد الطعام بأنفسهم , فتأتي صورة ذلك السجن من دون اسلاك شائكة او أبراج مراقبة و هي أُمور تعد من أساسيات السجون و ضروراتها "في زنزانات مشرعة الأبــواب، غير موصدة، بلا أبراج للمراقبة أو أسلاك شائكة…" ," جدار واطئ، له باب حديدي لا يعرف أحد جدواه… الباب أزرق غير محكم الإغلاق" ليبدو هذا السجن غريباً .



"للحارس حكاية صمت طويل… يمضي جل وقته سارحا في خيالاته، قرب جدول ماء لا يُتعب تفكيره ليفهم من أين منبعه، و لا أين مصبه.. يكتفي بالجلوس على صخرة و رجلاه مغمورتين بالماء الذي يجري عذبا زلالا.. يراقبهم و يتتبع حركاتهم، و يتساءل في نفسه: من هؤلاء؟ و ماذا يفعلون هنا؟
و ما هذا المكان! جدران قصيرة و ماء في غير محله وغرباء.. و صمته لا يجدي في الإجابة عن أي سؤال: يحرسهم أم يحرسونه!.. و هل حقا يحتاج هؤلاء حارسا لهم؟.. فهم مستسلمون جدا لسجنهم! لا بل هم به سعداء، هادئون في غرفهم المفتوحة على السماء، يتجولون بحرية تامة في أرجاء المكان، و لا يعيرون وجوده اهتماما…"


تبادل للأدوار فهو بدا هنا السجين و ليس السجان فحالة الشرود و الصمت يعيشها السجين لا السجان , صفات السجن غريبة و كأنك تقول أننا نتوهم وجودنا داخل سجن و لكن هذا السجن من صنعنا غير موجود حقيقة بدليل خروج ذلك الرجل منه دون اي مقاومة من السجان و الذي اتوقع انه هو من وضع أو اعتقد أنه سجان وما هو إلا فرد عادي في هذه المجموعة و لا وجود للسجن إلا في عقله , مشهد الماء الذي كان يغمر قدماه يدل على نعمة الحرية والابحار و الارتواء التي لم يتمتع بها طول فترة جلوسه هناك فكان ظمآناً و الماء أمامه و ما من عقاب أشد من ذلك . اعطاه ذلك الرجل الابريق و كأنه يدعوه لأن يعيش نعمة الحرية و يتطهر من وهمه و ينعتق .


"أصوات تكسر رتابة الليل وتسحب بعض الحالمين من أحلامهم.. و لا يبلغ صداها من أفرط في السهر منهم.. يكتفون بمداعبة نوم لذيذ تحت سماء حالمة..."

بدا الآذان و كأنه دعوة لأُناس مخصوصين حُرم منها من لم يُهيئ لها العُدة , مشهد الصلاة و دلالة القبلة التي اتخذها السجان الذي بدا اسيراً ايضاً فهو صلى باتجاه باب الحرية والانعتاق ,هو اتخذ من خوفه و شغفه قبلة يصلي لها علها تحن عليه , إنفراده عنهم و صلاته منفرداً تعكس انعزالاً غريباً لا يليق بسجانٍ من المُفترض أن يكون مصدر الرعب و القوة و هو قد بدا ضعيفاً منعزلاً وجوده غير ملحوظ .



" لقد فعلها.. اجتاز باب الحرية الأزرق"! تظهر هذه العبارة الرهاب الجماعي الذي عاشوه من فكرة اجتياز الباب التي بدت لهم مستحيلة حتى قام هو باجتيازه , انبهروا من تصرفه و كان جديراً بالحرية ,إن اكتشاف السجان للهاوية التي يطل عليها الباب يدل على انه هو ايضاً عرضة للسقوط فيها في حال خروجه و هو امر يتنافى مع كونه سجاناً , الهاوية التي رأها قد تكون انعكاساً داخلياً للظلام الذي يسكن روحه و للهاوية بداخله و ربما لم يكن الموجود خارج الباب هاوية و هو ما يؤكده تصويرك لحال الرجل الذي تعدا عتبة الباب :

"ومرة أخرى كان يبتسم ملء وجهه و يرمقه بنظرة غريبة تشع فرحا و جلالا.. و ما إن وصل إليه حتى اختفى خلف المجهول..."

فلو انه رأى هاوية لما ابتسم و كان محلقاً تحيطه هالة نورانية بدت من خلال كلماتك التي رسمتها فهذا المجهول كان له سماء صافية زرقاء و كان لسجانه هاوية مظلمة وهو ما اكدته آخر جملة:

لكن دهشته الكبرى كانت سؤالا كاد يكسر صمته الطويل بعويل و صراخ: لماذا كان صاحب الإناء يبتسم و لماذا يسمونه باب الحرية الأزرق؟
جملة مفتوحة على تأويلات عديدة , و تساؤلٌ جعلنا نتوق لرؤية العالم الذي دخله ذلك الرجل كما رأه هو علنا نبتسم . كأن الباب يقول للقارئ ان ما من سجن الا السجن الداخلي الذي نصنعه نحن و نقيم فيه ليقول لنا لا يوجد السجن إلا في خيالك ,ها هو ذلك الرجل قرر المُغادرة و حقق حلمه لانه عرف العالم الذي ينتظره و لم يقبل بذل الواقع خوفاً من المجهول كما فعلوا هم ,ذكرتني قصتك بجملة لعدنان الصائغ "أطرقُ باباً.. أفتحهُ.. لا أبصر إلا نفسي باباً.. أفتحهُ.. أدخلُ.. لا شيء سوى باب آخر.. يا ربي.. كم باباً يفصلني عني! " .

قصة جميلة و رائعة وفقت في رسم الصورة ونسج الحكاية .