(إهداء لِخُلّص فارقتهم جسدًا كانت "لا تنسيني" فاتحة المقال)
في رحلة الحياة كظيظ من الأرواح جُلها يمر دون أن يُعقبَ شيئًا يُذكر , و قليل من يترك أثرًا يستبقي صاحبه في عوالمنا التي تبقى فتية مهما تقدمت بنا السنون بفعل علمنا القاصر, و تجدد الحوادث, و إعراضنا عن ورود معين الوحي الخالد, و تلمس شواهده بين كثبان التأريخ وأزيز الواقع.
و إن كان البعض يتترس بشهاداته وما أفنى من حياته التي قد لا تزيده سوى تخسير , فتشيد قلاعًا تبقيه منزويًا عن مجرات المعرفة فيربأ بنفسه أن يجول بين أم ثكلى و صغيرة جوعى و يتيم يتأوه دمعًا ويضلُ ملوحًا بسيفه الخشب حتى يبلى. و في بين فينة و أخرى يتفتتُ عَضُد وصلٍ نفثنا فيه من آمالنا وعنفواننا بعضها تحت مقارع الظروف و بعضها بفعل الحتوف.

إلى أولئك اللذين بذروا الخير في دربي و سقوها بحُلمِهم و لُطفِ سجاياهم أقدم شكري الجزيل و دعوات أسوقها لعلها تنوخ على عتبات السماء يستجيب لها المولى برحمته فأراكم بأفضل حال.
و ربما مارت حياتي مورًا ,لكن تبقون أنتم الإحداثيات الثابتة فيها, مهما هاجت مضمحلات الفتن, و توارت أسارير الفرج ,وعطن ماؤها ,و تلبدت سماؤها.
وكيف أنساكم يا من تلقفتموني بحفاوةِ المزنِ الغاديات, و شيعتموني بالدعواتِ الصادقات ,و الذكريات المبهجات التي كانت سَلوتي في خلوتي و العطر المبثوث في حنايا غربتي. و ليس لي اليوم هاهنا قلب أتمعن في جوهره فيرتد بصري بما يسليه كما كان عليه ذات ليالٍ ماضيات تنفستها معكم. و إني لأعلم أن ليس للدنيا ثبات و الراكن إليها ليس بمفازة من تبدل الأحوال و سقم المواجع و أليم الفقد , لكنها النفس تبغي ما لا تملك ,و تتأرجح بين رغبات مهلكات ,و قوارع زاجرات, و تتألى على الدنيا دون أن تبر بقسمها , و أنى لها ذلك؟! .
فأعينوني على أمرين : نفسي الأمارة بالسوء فلا تحابوا فيها حقًا, وحلمٌ فتقنا عنه حُجُب الأماني حتى صار للواقع أقرب منه للمستحيل بفضلٍ من الكريم المنان ثم صدق نواياكم التي عضدتموها بسواعد العمل الدؤوب والسلام.
حُرر يوم الأربعاء 26-7-1434